في هذه الأرض الكريمة، كان العقل يفكر، وكانت البراءة سلوك المدنيين، كان الإيمان بالقيم اساس من اي دين وجد عليها، او مذهب عرفته.
في هذه الأرض الكريمة، التي كرّمت كل من لجأ اليها من فلسطين او لبنان او العراق، وعاملتهم كأنهم مواطنيها، يقابل اهلها اليوم في خيام الموت، بالإهانة، والقيود واغتصاب بناتها القصر بشعار السترة المقرف.
في هذه الأرض الكريمة، غيب العقل والسلام والتأخي والإعتدال وحب الحياة، لصالح قيم بدائية في الحقد والإنتقام والموت.. قيم مستوردة من نفط اسود مغلف بعباءة لاعلاقة لها بالنسيم السوري عبق الإنسانية عبر التاريخ.
في هذه الأرض الكريمة، التي اسمها سوريا، مازال بصيص من الأمل في تدراك ماتبقى من مدن وناس واهل ومجتمع ان يعود العقل إلى مكانه، ويغلق ابواب الحقد الخارجي عنها لإيجاد حل سوري بين اهلها بتوافق على عقد اجتماعي وسياسي لاداء يحقق للجميع حياة كريمة وحرة بنطاق دولة تحقق الكرامة والحرية والسلام لأهلها جميعاً..
...
انحدرت المسألة السورية إلى متاهات واد جبلي عميق، ولم تعد البوصلة تعمل لدى أي من المشاركين بالأزمة، خاصة بعد دخول المرتزقة، والتكفيريين إلى الساحة، تحت لواء القاعدة، المشهورة بالتفجيرات وزرع الرعب والخوف وعدم الإستقرار لدى المدنيين، وهذا ماحصل مؤخراً في مدينتي دمشق وحلب. وكأن الثورة التي حلم بها المتظاهرين، تحت شعار الكرامة والمواطنة والديموقراطية، تحولت إلى صراع مسلح بشعارات إمارات اسلامية، او دولة تحكمها الشريعة، بدون الأخذ بعين الإعتبار طبيعة ومكونات وموروث الشعب السوري، وتاريخيته منذ وصول الإسلام إليه وإلى اليوم.
ولا أدري إن كان يحق لنا القول إن الإسلام المعتدل في العالم والذي طبق على دولة ما، كان فعلاً في بلاد الشام، لذلك قد يكون من الصعب ان ينتصر المسلحين في هذه المواجهات، بين جيش نظامي، يملك الإمكانات كلها لينهي هذه الإنتفاضة لو عمل على اساس الأرض المحروقة، وبين اداء وعمل وطرق المسلحين، الذي ادّى بشكل مباشر او غيرمباشر إلى تدمير مدن حمص ودير الزور وحماة واليوم حلب وتشريد وتهجير وتدمير مئات الألاف من المدنيين السوريين.
ونسأل لماذا توجه مايسمى بالجيش الحر إلى حلب؟ وهو يعلم انه لن يستطيع احتلال المدينة او تحريرها كما يدعيّ، لعدة اسباب، اولها ان الحلبيين كانوا ومنذ بداية الإنتفاضة يرفضون المشاركة بها، مستمرين بعد دخول الجيش الحر والويته. الم يكن هذا الدخول إلى مدينة حلب بهدف تأديب اهلها عبر دمار بيوتها وعماراتها وقتل مدنييها؟ الم يكن من وجّه الأوامر من تركيا للجيش الحر والمرتزقة العرب يعلم تمام العلم ماسيحدث؟ وهل كان قصده بالفعل تأديب الحلبيين، او دمار مدينتهم، ثم تهجير اهلها اونهبهم؟
يقول احد الحلبيين باتصاله بالهاتف من المدينة، ان الجيش السوري يحاول عدم تدمير البنايات، ويمضي اربعة ايام للبحث عن قناص مختبي في احدى العمارت، خلف كوة صغيرة ينتظر صيداً ثميناً، أي احدهم، ولا ندري من يكون.
ولا تقتصر المسألة على حلب، فما دخلت كتيبة احد احياء المدن إلا وهجر اهله او قتل منهم العديد وشرد من شرّد. هل هذا الأمر مقصود؟ ألم تتكرر المأساة في عديد من المدن السورية؟ هل كان الأمر انتحاراً او قصاصاً من الشعب السوري؟ ام المدنية السورية، ام انه مشروع يتوجب تنفيذه؟
لو كان الغرب يرغب بمساعدة الإنتفاضة السورية لفعلها كما حدث في ليبيا، لكن ولإنه رفض ومازال يرفض ذلك ، فإن مايفعله المسلحين السوريين، ومن معهم من مرتزقة السعودية وقطر ودول الغرب، يعلمون ان المواجهة غير متكافئة، والنتائج لا تصب إلا في صالح الدول الأقليمية والكبرى واسرائيل.
لقد ادّى غباء الطارئين على السياسة ، وسياسة الغرائز والعواطف والحقد والإنتقام والتوجهات المذهبية لقسم كبير من الدافعين للحل العسكري، إلى تدمير معظم البنى التحتية السورية، وتشريد حياة اكثر من عدة ملايين من السوريين بشكل محبط وكبير.
أما الإصرار على قلب النظام بشكل نهائي المدعوم من روسيا وإيران والصين، ورفض اية محاولة للحوار، لن يؤدي إلا إلى ارتفاع منسوب الدمار والفوضى وازهاق ارواح ملايين اخرى من السوريين.
لماذا تخاف المعارضة المواجهة امام الشعب عبر دوائر الإنتخابات بعد حوار على مشروع سورية المستقبل؟ ألا يعتبر رفضها المطلق للحوار ، محاولة لإقتناص السلطة عبر ضغوط الخارج والحصار الإقتصادي، وترويع السكان عبر شعارات تحريرهم، اي دمارهم في اية منطقة دخلوا او حاربوا بها؟
لماذا لا تهاجم الثكنات العسكرية نفسها، وليس صواريخها او مطاراتها او طائراتها؟
لماذا لا يهاجم النظام نفسه بإشخاصه؟
لماذا يروع المدنيين، ولماذا رفض سكان دمشق وحلب وطرطوس، وبعض مدن الساحل الإنضمام للإنتفاضة. ألا يعتبر ان استخدام مرتزقة ليبيا وباقي الدول العربية وغيرها من دول العالم، محاولة احتلال مسلح لشعب يرفض كل هذه الطرق في التغيير؟
هل نحن بجاحة إلى التذكير بالحرب القائمة على سورية من دول قطر والسعودية وتركيا، اعلاميا بشكل فاق كذب اية تجربة نفاق اخرى بالتاريخ، وعسكريا عبر جلب وتسليح مرتزقة تكفيريين كما حدث في افغانستان ايام الإتحاد السوفييتي السابق؟
هل هذا لصالح انتفاضة الكرامة السورية، وإصلاح النظام بنظام مدني ديموقراطي؟
لقد اخطأت المعارضة كما اخطأ النظام باختصاره الإنتفاضة السورية بمطالب اصلاحية فقط.
اخطأ الجميع بحماقة وبدائية، مما استدعى مصالح الدول الأقليمية والدولية لدعم هذا التوجه ليتم الدمار التدريجي لكل ماهو سوري.
لسنا بحاجة للتذكير بإن مايحدث ليس لصالح الشعب السوري ولا مستقبله، ولسنا بحاجة للتذكير بإن كل مشترك في هذه المواجهة يده ملوثة بدماء السوريين الأبرياء.
وبدلاً من الإستمرار في عناد لا عقل به، ضمن معطيات دول متداخلة لا تتأثر بتدمير المدن والمجتمع السوري، أليس الأفضل من السوريين العقلاء، وليس المعارضة الخرقاء، الجلوس على طاولة حوار حقيقي لإيجاد حل للنظام السوري ولو كان في بلد محايد، وبمراقبة دولية لكل شئ؟
كان الله في عون المدنيين السوريين وابريائهم من هذا الإثم الحاقد على كل شئ.
كان الله في عون السوريين من كل اخرق يدّعي السياسة والنضال بينما في الواقع هو مدّعي ومرتزق ومرهون لمصالح دول اخرى، وعقد لاعلاقة لها ببناء دولة مدنية حديثة بمعايير سيادة الدستور والقانون والمساواة.