يبدو أن التوقعات على مدار فصل الصيف بقدوم خريف محفوف بالمخاطر أصبحت أكثر ترجيحا.
فطبول الحرب تقرع بصخب متزايد في الشرق الأوسط. وهناك أمر واحد واضح: وهو أن الإسلاميين السنة عازمون على تغيير السياسة في المنطقة. وليس بالضرورة أن تتم عملية إعادة ترتيب الأوراق الإقليمية هذه على نحو معادٍ للغرب.
ومن ناحية أخرى، تستعر نار الحرب الأهلية في سوريا مصحوبة بكارثة إنسانية. ومن المؤكد أن نظام الرئيس السوري بشّار الأسد عازم على القتال إلى النهاية. ويبدو أن تقسيم البلاد بين المجموعات السكانية العرقية والدينية المتنوعة بات نتيجة متوقعة. ولم يعد من الممكن استبعاد سيناريو على غرار ما حدث في البوسنة.
إلى ذلك، أصبحت الحرب السورية بمثابة وثيقة تفويض في معركة معلنة صريحة لفرض الهيمنة الإقليمية بين إيران من جهة والمملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والولايات المتحدة من جهة أخرى. وبالبقاء على الخط الجانبي لهذا التحالف العربي - الغربي، تلعب إسرائيل أوراقها بقدر كبير من التحفظ والكتمان.
أما إيران فقد أعلنت سوريا حليفاً لا غنى عنه، وهي عازمة على منع تغيير النظام هناك بكل السبل المتاحة. ولكن هل يعني هذا أن حزب الله في لبنان سيتورط مباشرة في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا؟ وهل يكون مثل هذا التدخل سبباً في إحياء الحرب الأهلية الطويلة التي شهدها لبنان في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين؟ ومع اكتساب الأكراد داخل سوريا وخارجها قدراً متزايداً من العدوانية، هل تتزايد حدة التوتر أيضاً في تركيا التي تؤوي مجموعة كبيرة من السكان الأكراد؟
وبالتوازي مع الدراما السورية، أصبحت المواجهة الخطابية بين إسرائيل وإيران حول البرنامج النووي الإيراني أشد عنفاً وشراسة، حيث ان كلا من الجانبين هيأ نفسه للوصول إلى طريق مسدود. فإذا أذعنت إيران ووافقت على حل ديبلوماسي محتمل، فإن النظام سيفقد ماء وجهه في قضية محلية حرجة. ولكن العقوبات الدولية مؤلمة، وإيران تجازف بخسارة سوريا. وكل شيء يشير إلى رغبة النظام في إثبات نجاحه في ما يتصل ببرنامجه النووي.
كذلك، أوقعت الحكومة الإسرائيلية نفسَها في فخ سياسي محلي. فمن غير الممكن أن يتقبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أو وزير الدفاع إيهود باراك إيران المسلحة نوويا. وهما لا يخشيان وقوع هجوم نووي ضد إسرائيل بقدر ما يخشون انطلاق سباق للتسلح النووي في المنطقة والتحول الكبير في موازين القوة لغير مصلحة إسرائيل.
وفيما يتحدث المؤيدون عن «عملية جراحية» محدودة، فإن ما يتحدثون عنه هو بالحقيقة بداية حربين: حرب جوية بقيادة الولايات المتحدة وإسرائيل، وحرب أخرى غير متكافئة تقودها إيران وحلفاؤها.
ولكن ماذا لو فشل هذا «الخيار العسكري»؟ وماذا لو تحولت إيران إلى قوة نووية، واكتسحت موجة من التضامن الإسلامي المناهض للغرب كل الحركات الديموقراطية في المنطقة، وخرج النظام الإيراني من هذه الواقعة برمتها وقد ازداد قوة؟
إن اندلاع حرب في منطقة الخليج، التي تعتبر حتى وقتنا هذا محطة وقود العالم، من شأنه أن يؤثر على صادرات النفط لبعض الوقت، وسترتفع أسعار الطاقة إلى عنان السماء، وهذا يعني ببساطة توجيه ضربة موجعة للاقتصاد العالمي المترنح.
أما الصين، التي تعاني من متاعب اقتصادية بالفعل، فستكون الأكثر تضررا، ومعها منطقة شرق آسيا بالكامل. والضعف الذي ألمّ بالولايات المتحدة اقتصادياً في عام الانتخابات الرئاسية، جعل قدرة أميركا على فرض زعامتها مقيدة بشدة.
وزير خارجية المانيا السابق
ترجمة: جوزيف حرب
"السفير"