لا تتعدى نظرة بعض السياسيين العرب والسوريين، وبعض المعارضة السورية، إلى الصين كونها عبارة عن "حانوت متنقل" لبيع الكمبيوترات المحمولة والشاشات المسطحة منخضة السعر والجودة، أو أدوات المطبخ الخشبية، التي تباع على البسطات في سوريا، دون أدنى نظرة إلى "العملاق الاقتصادي" الذي بدأ يبتلع أسواق العالم.
العلاقات السورية-الصينية لم تبدأ عام 1970، إلا أنها اليوم تشهد لحظات حاسمة لجهة تطورات الوضع الداخلي في سوريا ومنعكسات ذلك على منطقة الشرق الأوسط، ويمكن أن القول إنها لحظات حاسمة وغير مسبوقة في الوضع السوري، والدور الصيني البعيد عن الإعلام لجهة العثور على حل سياسي، ولم يسبق أن كان للصين هذا الدور الحاسم منذ أن بدأت العلاقة السورية-الصينية باتصال وزير الخارجية صلاح البيطار بالصين عام 1956 وإبلاغهم قرار سوريا الاعتراف بـ"الصين الشعبية".
وتجدر الإشارة إلى أن عقود الشركات الصينية في سوريا كبيرة لكنها تتركز في القطاع المدني أكثر من العسكري، على عكس الشركات الروسية.
بعيدا عن لغة الاقتصاد والبيزنس، هناك معلومات – غير مؤكدة- لدى خبراء "القسم السياسي والاستراتيجي" في "سيريا بوليتيك" تشير إلى أن أول محطة أمنية استخباراتية أسستها الصين في منطقة الشرق الأوسط كانت في دمشق عام 1966. وقد كانت المحطة تابعة لوزارة أمن الدولة الصينية التي يرمز لها بـ(MSS) أو تعرف باسم Guoanbu التي تأتي من اسم الجهاز Guojia Anquan Bu. وهذه الوزارة بمثابة جهاز الاستخبارات التابع للحكومة الصينية والذي يقود أيضا الاستخبارات الخارجية.
خلال السنوات الماضية، لعب العماد الراحل داود راجحة، ومنذ عام 2003، دورا مهما في تقوية العلاقات الصينية السورية، وقد كان يشغل مناصب رفيعة تؤهله لذلك في رئاسة الأركان ووزارة الدفاع.
ومن الشخصيات الصينية البارزة التي تلعب دورا رئيسيا في تقييم الوضع في سوريا وإرساله إلى حكومة بلاده السفير الصيني لدى دمشق "تشانغ شيون".
وكانت الصين واضحة في مجال الاتصال بقوى المعارضة السورية، حيث استقبلت وفدا من هيئة التنسيق، ولاحقا استقبلت وفدا من المجلس الوطني، وأعلنت بشكل واضح أنها تؤيد محادثات بين النظام والمعارضة مشددة على استمرار اتصالها مع مختلف قوى المعارضة وهذا ما كان يصرح بها دائما المبعوث الصيني إلى الشرق الأوسط "وو سايك".
تساءلات حول زيارة شعبان:
- الزيارة تقوم بها بثينة شعبان، التي لا تمسك ملفات سياسية أو أمنية في البلاد، وليست من صناع القرار، إلا أنها محل ثقة لدى الرئاسة، وهو ما يؤكد أهمية الرسالة التي تحملها.
- رسالة بثينة شعبان تتمحور حول إما حول فتح قناة تواصل ومفاوضات مع المعارضة، وهذا يثير تساؤلات حول التوجه إلى بكين من أجل ذلك، وليس موسكو، ولماذا قرر النظام السوري القيام بذلك الآن ؟
- بالتأكيد الزيارة لا علاقة لها بطلب الحصول على دعم اقتصادي صيني إلى دمشق، لأن بثينة شعبان لا يمكن أن تخوض في هذا الملف، إلا إذا كان النظام يخشى أن يرسل رئيس الوزراء أو أي وزير آخر وينشق هو الآخر في الطريق إلى الصين، ولكن هناك قدري جميل وهو مقرب من موسكو وبكين ولم يتم إرساله وهو محل ثقة لدى النظام باعتبار أن "المعارض لا يمكن أن ينشق".
تشير معلومات "سيريا بوليتيك" إلى وجود مشاورات دولية تطبخ حلا سياسيا ألمح إليه الرئيس الفرنسي منذ أيام، وهذا الحل يتطلب تضحية غير محدودة من قبل جميع الأطراف الدولية والسورية، وهذا الحل في واد وما تقوم به تركيا (التخطيط للدخول في منطقة آمنة) مع بعض الدول العربية في واد الآخر.
هناك معلومات – غير مؤكدة – أيضا تفيد بإجراء الصين اتصالات مكثفة مع معارضين سوريين بارزين من الشخصيات الأكثر استقلالا عن بعض الدول العربية.
خاتمة:
ذات يوم (من عام 1991) قال جنرال سوري مخضرم، واليوم هو متقاعد وربما يعمل بالزراعة، بعد أن عمل لعقود كحامل للملف السوري- الصيني: اعترفنا بالصين عام 1956 وقد اتصل وزير الخارجية صلاح البيطار آنذاك بالصين وأبلغهم بذلك، ثم قررت الصين في نفس العام شراء كميات كبيرة من القمح السوري، ومنذ ذلك العام وحتى أواسط الثمانينات كنا نسترد شحنة القمح حبة حبة. واليوم نحن تجار القمح السياسي حيث نصدّر شحنة كبيرة ونستوردها لاحقا حبة حبة نعيش عليها لسنوات قادمة.
لكن بثية شعبان تسافر إلى بكين بدون قمح سياسي (طالما انتهت حقبة "الدهاء السياسي السوري" واشتغال البعض على الفساد وإفساد القمح السوري ونخره بالسوس أكثر من الاهتمام بما تم إنجازه من موقع إقليمي للبلاد)، أم هل ثمة هناك قمح لا نعلم به ؟
التقرير من إعداد القسم السياسي والاسترايتيجي في "سيريا بوليتيك"