من يتخذ القرار في سورية، من المسؤول عما أصابها من دمار، من كان قادراً بالفعل على كبح جماح الأزمة قبل أن تغرق البلاد في دمائها؟ أسئلة بديهية لدى السوريين جميعهم، على إجاباتها الصادقة يتوقف خلاص الوطن وإنقاذه من التفكك والضياع، ولكل طرف رده عليها سواء كانت السلطة مع تحالفاتها، أو كانت "المعارضات السورية" على اختلاف أسمائها وبرامجها مع مرجعياتها، وهنا لن نتوقف عند ما يقوله الخارج "الأطراف الإقليمية والدولية"، أو عند بعض كيانات معارضة ولدت سياسياً وعسكرياً من رحم ذاك الخارج، لأن ما يريدونه يخص سورية أخرى غير سورية التي ناضلت لخلاصها من التبعية والاستعمار قديماً وخلاصها من الاستبداد والديكتاتورية حديثاً.
لا يختلف اثنان أن نشر الفوضى وتدمير البلد كما يحدث فعل استعماري رخيص له مستفيدون كثر، أما القول -ولليوم- أن للانتفاضة الشعبية في نواة تشكلها الأولى وتطوراتها اللاحقة دور فيما حدث وآلت إليه الأوضاع، فهو محاولة غير أخلاقية لتبرئة السلطة مما جرى ويجري، وجدير بتلك السلطة أن تتصالح مع نفسها وأنصارها بفعل توجيهي يتبنى خيار الاعتراف بالخطأ من منطلق اليد باليد وليس من باب اليد على الزناد، والملفت أنهما يعترفان بأخطاء قاتلة قبل الانتفاضة وبعدها، لكن الحديث في تلك الأخطاء لا يتعدى إطار الكلام فقط، لأن البلد يتعرض لمؤامرة إلغاء كلية شكلاً ومضموناً، ومن يتجرأ ويتحدث بإقناع عن سوء إدارة الأزمة الراهنة من باب الشراكة الوطنية طبعاً وليس رغبة في قيادة ما تبقى من الدولة العميقة، فهذا يعني –خلف الكواليس- أنه شكك بحكمة القيادة كما يصفونها، وعليه الاختيار بين الصمت أو السجن أو الهروب، وهنا ينبغي التفريق بين مصداقية الانتقاد ونواياه البنّاءة، وبين كيدية الانتقاد ودوافعه الخبيثة، عبر التمييز بين اتجاهات "المعارضات السورية" المتعددة التي استطاعت اللاءات الثلاث لهيئة التنسيق الوطنية، مضافاً إليها بعض القوى والشخصيات المستقلة خارجها ترفع ذات الشعارات، أن تكون حاملاً شرعياً للحراك الشعبي، "وينبغي على الهيئة بكامل مكوناتها كما تلك القوى الاستمرار في تبني تلك اللاءات كاملة"، في وجه جهات أخرى من المعارضات لم تزل تعتمد إغراء المال السياسي وتسخير الإعلام الدموي سلاحاً في معركتها مع السلطة قيادة ونهجاً، لا يقل خطورة عن سلاح القتل تحت غطاء العصور الوسطى أو بدافع الانتقام، والمفارقة الغريبة هنا أن -السلطة قبل وبعد التعديل- مع أجهزتها المختلفة وأنصارها، يرفعون ذات الشعارات الثلاثة -ولن أخوض بنقد تطبيقهم لما يدّعون فله مقام آخر-، يرفعون ذات الشعارات لكنهم يختبئون وراء إصبعهم في مواجهة دمار الفرد السوري نفسياً ووجدانياً، واهتزاز التركيبة الاجتماعية لدرجة فقدان التوازن، وفي بعض الأماكن تجاهل الشلل التام عن الحركة والحياة، يختبئون مؤمنين بحتمية انتصار قادم لا محالة، روجت له منابر تلك السلطة الإعلامية وتوابعها من الداخل والخارج العربي، وحقيقة الأمر عكس هذا، لو عللنا الأسباب لدى "السلطة برموزها وأجهزتها وتابعيها" فلن نقدم جديداً لأنها قدمت نفسها ولا تزال بافتقار للحجة والبرهان، ولذا سنتجاوز عنه، لكننا لم ولن نستطيع التجاوز عن الأمر عندما يتبناه بعدها الشعبي لسببين: الأول أن القائلين بهذا يمارسون ديكتاتورية ساذجة في تقييم الرؤى السياسية لبعض فئات الشعب التي ترفض السلاح والعنف وتطييف الأزمة، ولا تريد لنفسها أو لأولادها حياة تقوم على مبدأ التنزيه المطلق لأصحاب القرار عن الخطأ، ديكتاتورية ساذجة بأبشع الصور مع " الصديق، الجار، زميل العمل، وأحياناً بين أفراد العائلة بفروعها"، ويرون فيهم خيراً مقروناً بجهل لا مانع من استيعابه، وثاني تلك الأسباب هي أنهم لو انتقدوا فيلجؤون إلى خداع أنفسهم والالتفاف على الوطن من حيث توجيه اللوم في الخراب الحاصل على "الخونة" من مسؤولين سياسيين ومدنيين في السلطة وعسكريين في الجيش، مطالبة بعقابهم أو إقالتهم، وهذا ما لم يتم الاستجابة له علناً من قبل أصحاب القرار في السلطة، ولو حدث بالفعل فإنه لم يتعدَ الدوائر الضيقة، وبالتالي يحتمل التشكيك بناء على المبدأ الديكارتي، والمهم في الأمر هنا بذات أهمية ذاك الشك عجز السلطة ووسائل إعلامها عن الرد وبيان الحقيقة لمن يطالبون بها، ولمن يقول عكس هذا لينظر الواقع وبعد ذلك التاريخ فيتأكد بنفسه، ما يعني بالضرورة التخلي عن شعار الانتصار ذاك من قبلها، وبالتالي تخلي البعد الشعبي عنه، وفصل نفسه عقلياً ووجدانياً عن تابعية التقييم وإملاء النتائج والقرارات، باختصار أن يكونوا أسياد أنفسهم، أحراراً بعقولهم وخياراتهم السياسية، أسمى الأهداف التي من أجلها قامت الانتفاضة، وليس بسببها أصاب البلد الدمار العمراني والإنساني والجغرافي، المنتصر الوحيد حتى اليوم على جميع الأطراف.