منذ مايقارب الأكثر من سنة ونصف, والشعب السوري بكل ألوانه, وتكويناته.. لم يمل ولم يتعب ولاحتى دقيقة واحدة من ترديد, عبارة السقوط لنظام الدكتاتور بشار أسد وشبيحته.. ومازالوا مستمرينَ وبنفس الوتيرة والهمة .. في ثورتهم إلى الأمام, وبحسب معظم المراقبين والمتابعين فأن الثورة السورية أرتقت إلى مستوى الثورة الفرنسية, بل تعدتها في صمودها, واستمراريتها, والتضحيات التي يقدمها هذا الشعب من أجل نيل حريته!
وبنظرة شاملة على خريطة الواقع اليوم في سوريا, وبعد كل هذا الكم الكبير من القتل والذبح وجرائم الإغتصاب والخطف والتنكيل بالمعارضين..) ثمة حديث يدور عن القضية الكردية في سوريا, وهو حديث قديم حديث يفرض نفسه على عنواين الأحداث باستمرار! ولكن بدأ مؤخرا بالصعود وبوتيرة أكثر, وذلك نتيجة لكتلة من المعاتبات, وأحيانا أخرى أتهامات مباشرة للكرد من كتاب وناشطين سوريين, من قبيل بأنهم خارج دائرة الثورة وذو مشاركة ضعيفة في الحراك الثوري! ومابرر لهم حججهم هو الوضع العام الذي تشهدهم مدن الأكراد بعد أنسحاب قوات النظام منها , وتسليمها لعناصر حزب العمال الكردستاني ( آبوجيي سورية حزب الإتحاد الديمقراطي) وضمن هذا الوضع الجديد كثر الحديث عن حل القضية الكردية ومستقبلها في ظل تعقيدات الوضع الراهن, فكرديا باتت تطرح شعارات الحكم الذاتي والفدرالية .. وتتردد في مختلف المناطق التي يشكل الكرد غالبيتها, وهذا ما يقابل بالقلق والخوف والرفض من بعض أطراف المعارضة العربية وذلك بحجة حماية وحدة البلاد! وضمن هذه الجدلية بين الطرح المتنامي بسرعة كرديا, والمراوغة والرفض من تلك الجماعات المعارضة العربية, لا يوجد أي موقف للنظام على المستوى الرسمي إعلاميا! وكأن شيئا لم يكن.
أذ أن الوضع الحالي للكرد السوريين شكل نقلة نوعية من زمن المطالبة بترخيص جريدة أوحفلة أوالإعتراف باللغة الأم..(الكردية) إلى حالة اليوم المطالبة بأقليم ذاتي لكردستان سوريا على غرار أشقائهم في العراق, ولكن هذا وأن كان شعاراً.. لكنه يفتح الباب بمصرعيه على تساؤل جوهري, آلا وهو, هل القضية الكردية في سوريا تعتمد لحلها على مناخ مدني, و تطبيق للديمقراطية؟؟ وبالتالي الأنخراط والمشاركة الأوسع في ثورة الكرامة للوصول لهذا المطلب الوطني العام.. آلا وهي الديمقراطية! أم أن حل القضية يكمن فقط بتحقيق أشكال أدراة بسيطة وبتسوية مع النظام ؟!! تماما كما الآن, بعد أنسحاب قوات الدكتاتور بشار أسد منها ( أبتدا من كوباني 20-7- 2012 وصولا لباقي المدن الكردية) وتسليمها لعناصر حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري الإتحاد الديمقراطي, الذي سارع بدوره إلى تشكيل لجان مسلحة, وهيمن على الوضع, تحت ذريعة ضبط الأمن في المدن الكردية!!!
بيد أن المتابع للشأن الكردي ولطبيعة ومسيرة أحزاب الحركة الكردية وآليه عملها وبنيتها, يستطيع أن يستنتج ويلامس حقيقة أن أغلب هذه الأحزاب وليس كلها! هي أحزاب مًسيّرة إيدولوجيا وهي غير ديمقراطية في علاقاتها الداخلية والهرمية وفي سلوكياتها داخليا بالنسبة للإعضاء, وفي سلوكياتها وعلاقاتها تجاه بعضها البعض!! ويسودها طابع الدكتاتورية القيادية, مع أشكال تتقارب من الوعي العشائري السائد كرديا! وفي كثير من الفترات والتحولات هي عبارة عن حالات لتجمع مريدي الأحزاب الكردستانية وقادتها البراقين, كحالة حزب الديمقراطي الكردي في سوريا البارتي, مع ملهمهم البرزاني الأب والأبن! وحالة حزب الإتحاد الديمقراطي مع عبد الله آوجلان, وهذا العزوف عن الديمقراطية ساهم وتحت حجج كثيرة ظهور أحزاب السلاح ومع أنها تحمل الديمقراطية كاسم, وتدعيه!! ومثال ذلك الحزب المذكور سابقا: الإتحاد الديمقراطي, وكان التعامل مع شباب الثورة الكورد المناهضين لحكم الأسد, في عفرين وكوباني وأخرها في عامودا 2-9-2012 .. الذي أتسم بعمليات الخطف والقمع وصولا للإغتيال السياسي! وهي شواهد كافية للوصول لحقيقة أن هذا الفصيل وإلى جانب بعض الأحزاب الآخرى أيضا تتعامل مع قضية الديمقراطية, كحالة استثمار, وكأنها جسم مستقل عنها! وذلك من أجل تسويق أطروحاتها للوصول بالمحصلة لغايات الطبقة القيادية فيها, ولو تحت مسميات وأهداف قومية قد تكون نبيلة!! وهي أحزاب في معظمها لا تتماهى مع الديمقراطية, ولاتعتبر نفسها حاضنة أساسية لها, وأنما تحاول التموضع على حساب الديمقراطية, وهذا مايفسر إلى حد كبير تآخر هذه الأحزاب في مواكبة الثورة وتبنيها في المناطق الكردية, على خلاف الشباب الكردي الثائر, الذي أحرجت ثوريته هذه الاحزاب.. لدرجة كبيرة وصلت لوأد الشباب! (في عفرين مثلا) ومع أن الثورة السورية أستطاعة كسر جدران الكهف, وحواجز الصمت.. وخروج الشباب للشوارع وبصدور عارية متحدين الرصاص الحي ومطالبين برحيل النظام وأزلامه, من أجل قضية الديمقراطية والحرية.. التي حرم منها كل الشعب السوري ولأكثر من خمسة عقود! ومن هنا شكلت الثورة السورية المعبر الأول والأكبر عن قضية الديمقراطية في هذا البلد, الذي يواجه شعبه الآن آلة عسكرية مجرمة لاترحم تقتل كل دعاة الديمقراطية ونشطائها الميدانين, وليس كما يروج النظام وإعلامه الفاسد بأن مايجري في سوريا هو تطهير الجيش لجماعات مسلحة أرهابية!
ففي الأساس كانت الثورة هي عبارة عن نشطاء مدنيين سلميين, من الفئة الشبابية المثقفة المتماهية مع وسائل الإتصال العصرية! في مواجهة نظام قمعي متخلف لايفهم إلا بلغة القتل, ومن خلال اعتماد النظام للمنطق الأمني والاستئصال , من خلال المجازر والقصف بالطائرات والدبابات وعمليات الإغتصاب والقتل الممنهج بحق المدنين.. حيث وأجه النظام تمردا وأنشقاقا في صفوف جنوده أدت إلى تشكيل نواة مسلحة بالتزامن مع توجه بعض الشباب الثوري لحمل السلاح دفاعا عن النفس, وكل ذلك أمام صمت المجتمع الدولي على جرائم النظام بحق الابرياء والتي طالت حتى الأطفال! وتحول المشهد إلى حرب بين دعاة الديمقراطية الثوار, وبين دعاة قمع الثورة والمطالب الديمقراطية, لإعادة تحصين مزرعة الأسد!! وجند النظام لهذه الحرب كل ترسانته واستعان بقوى كل حلفائه لاستئصال هذه الثورة, وأن نجح النظام في هذه المواجهة لا سمح الله سيكون الوضع أكثر كارثية ودموية على كل الشعب السوري دون أي استثناء, وبما فيهم الكرد أيضا! و في حال فشل الثورة سيتفرغ عندها نظام الدكتاتور بشار أسد للكرد! وسنكون أمام أحتمالان أثنين: الأول أما القمع وذلك بالعودة للوضع ماقبل الثورة, والضرب بيد من حديد والأختفاء القسري.. واللعب على وتر العدو القومي الداخلي وتضخيمه! وتفعيل تهمة اقتطاع جزء من البلاد وضمها لدولة أجنبية!! وذلك لكي يعيد النظام شرعيته القومية المفقودة!
الثاني, وهو حل القضية الكردية على أساس تشاركي! وهذا الإحتمال الذي بدأ يأخذ مفعوله الآن على الأرض في المدن الكردية من ديريك وأنتهاءا بعفرين, حيث السلطة المطلقة فيها للجان الحماية الشعبية الآبوجية! التي تسلمت السلطة من نظام الأسد بعد انسحاب الأخير منها, ولذلك سيكون حل القضية الكردية من وجهة نظر النظام هو بإيجاد شريك فوتوكوبي!! نسخة عنه, ليسيطر على مفاصل المجتمع الكردي وضمان التبيعية له!! وبالتالي نكون أمام ظاهرة تكريد أدوات الأستبداد, وإلى تغير هوية الجلاد.. من العروبية إلى الكردية, جلاد: يحافظ على مصالح النظام البعثي الأسدي في المدن الكردية! وذلك لأن النظام بطبيعته ضد حل القضية الكردية على أسس ديمقراطية, وذلك لأن تطبيق الديمقراطية في بقعة ما من سوريا سيمس جوهر وبنية النظام! ومابالك بتطبيقها على نطاق مدن الأكراد حيث تتشابك مصالح الكرد على كل الأصعدة مع باقي المكونات السورية , وأندماجهم في النسيج الوطني السوري, وبالتالي ستتحول كردستان سوريا إلى تسونامي الديمقراطية للنشطاء الحرية ضد النظام, وهذا مايرفضه, ولا يريده النظام جملة وتفصيلا, وأنما يريد حلا حسب منطقه.. بصورة مصغرة عنه كرديا, وذلك لكي يحركه بحسب أهوائه ومصالحه, ويكون ذراع جاهز في مواجهة اعدائه الخارجين,تماما كما الآن من خلال تسليم المنطقة للعمال الكردستاني, الذي بدوره ينشط ضد تركيا (عدو نظام الأسد وحاضن المعارضة السورية) وتحويل أكراد سوريا من معارضين لنظام الأسد إلى معارضين لتركيا!! وهذه الأيام تهمة العمالة لتركيا تعتبر رائجا حيث تستخدمها لجان الأبوجية بكثرة أذا أرادت أعتقال أي ناشط كردي خارج سيطرتها!
وهذه الأحتمالات السابقة كلها ملغية عندما يسقط النظام, وذلك بأنتصار الثورة السورية, وأردة الشعب السوري الشجاع, وسيسقط معها كل أدوات وأقنعة, وملحقات النظام في المنطقة الكردية! والواقع الجديد بعد سقوط نظام بشار سيفرض توازانات جديدة وقوى جديدة ولاعبين جدد, ويفرض منطق التحالفات بدل الاستبداد, ومنطق النظام التعددي والدستور بدل من أهواء الجلاد! فسقوط النظام بكل مرتكزاته ومؤسساته, والتي كانت تقمع كل السورين والكرد ايضا, ستفرض شكلا جديد تجعل الكورد في مساواة مع باقي المكونات, وستكون هناك عملية بناء جماعي لمؤسسات ديمقراطية سليمة لكل السوريين, وبالتالي خلق مناخ ديمقراطي صحي! وضمن هذا المناخ.. سيكون هناك حديث ونقاش لحل القضية الكردية في سوريا, ومن ضمنها الحكم الذاتي أو الفدرالية أو أي شكل آخر وذلك ضمن رؤية وطنية شاملة, وذلك لإعتبار القضية الكردية في سوريا.. قضية وطنية بأمتياز, وهي ليست قضية الجيران!! وحلها مرتبط بسقوط النظام الحالي! فبعد سقوط نظام المقبور صدام حسين 2003 في العراق, ومشاركة الكرد بعملية الإطاحة, و بناء العراق الجديد, هذه المشاركة فرضت على كورد العراق واقعا جديدا مختلفا عما عليه قبل السقوط!! فتبنى الأقليم الكردي لجملة قوانين ومواثيق ساهمت إلى حد ما في خلق هامش نسبوي! لمعارضة برلمانية ووجود تعددية حزبية وبعض الصحف الغير سلطوية, وكما وصل رئيس الأقليم( مسعود البرزاني) للرئاسة بنسبة ستينية ! رغم حداثة تجربة الأقليم مقارنة مع دول الجوار (ومع أن الأقليم مطالب بالمزيد من الإصلاحات, والتطبيق الديمقراطي) .
أعتقد أن حل القضية الكردية في سوريا مرتبط بالدرجة الأولى بالقضية الديمقراطية, وذلك لأننا جزء من الوطن السوري, وكوننا ضمن جغرافيا وطنية مشتركة رسمتها أقلام الدول الكبرى!! وبالتالي نحن لسنا -أي الطرفين- مجرد قبائل رحل.. نحمل خيمنا ونهاجر!! فنحن محكومين بسماء وجغرافية واحدة, وبناء على هذا, تعتبر الديمقراطية كمطلب, ونهج هي مدخل لحل القضية الكردية في سوريا, وأن تبنى الطرح الديمقراطي هو ليس إلا أنقلاب على كل المظالم التي تعرض لها الكرد السوريين! وذلك كون أن سبب المعاناة الأول والأخير.. كان بسبب غياب عوامل الديمقراطية قبل أي شيء أخر لحل القضية, وكون أن الإنسان الكردي, هو مركز هذه القضية العادلة, فقط غيبت على أساسها حقوقه وحرياته الأساسية وذلك فقط لانه إنسان كردي!! وبالتالي أن عملية تكريد أدوات الأستبداد, هو ليس حلا بقدر ماهو تنصيب دكتاتور بالوكالة من لغتنا الأم! وهي عملية ترجمة, لمراكز القمع من العربية إلى الكردية!! ولذلك فالحل الأمثل للوصول إلى الثمار الديمقراطية الناضجة, وخلاص الأنسان الكردي يكمن من خلال المشاركة الأكثر.. والدور الأكبر.. بحجم المعاناة (كرديا) ! في الثورة السورية العظيمة.. وتحرير كردستان سوريا من كل أدوات النظام وأزلامه المشبوهين.. وذلك لتحرير دمشق العاصمة! من بوابة قامشلو.
كاتب وإعلامي كردي سوري مقيم في الدنمارك.
-------------
تنويه من سيريا بوليتيك: المقال يعبر عن رأي الكاتب وليس الموقع، ونرحب بأي مقال يرد أو يعقّب عليه.