سـياسة واســتراتيجي

  • الصراع على سوريا: فتشوا عن رائحة أنابيب الغاز

    06 أكتوبر 2011 - 07:51 م : دمشق ، خاص بـ"سيريا بوليتيك"
  • حقل غاز صدد في حمص ( نقلا عن سانا)
  • يرى خبراء ومراقبون استراتيجيون في عدد من العواصم الغربية أن الصراع على سوريا تفاقم بعد تقديرات شركات غربية كبيرة بأن مستقبل سوريا هو "بلد يعوم على الغاز أكثر من الدول الكبيرة المنتجة له في المنطقة"، مشيرين إلى أن الشركات المذكورة اعتمدت في تقديراتها على: الاعلانات السورية المتتالية في نهاية 2010 وبداية 2011 عن حقول غاز جديدة، ومصادر معلومات أخرى لم تكشف عنها.

    وبحسب هؤلاء الخبراء " فقد بلغ الضيق والإنزعاج ذروته عندما قامت شركات وطنية سورية، باستكشاف الحقول وعملية الاستخراج والنقل، إضافة إلى شركات روسية تساهم في بناء معامل الغاز، وهو ما يوفر الكثير من المال على خزينة الدولة.

    وأضاف الخبراء " الشركات الغربية فقدت الأمل تماما، فهي تعلم تماما أنه طالما النظام السوري يمكن أن يستكشف الغاز محليا ويوفر الكثير من المال بسبب الاعتماد على الشركات الوطنية وليس الغربية، فإنه من المستحيل أن يخسر هذا العائد ويضحي به مهما حصل".

    ولا يستبعد بعض المراقبين السوريين هذه المعلومات إذ أنه " على سبيل المثال فرنسا احتلت سوريا يوما ما من أجل "الريجة" ( التبغ) وسيطرتها على هذا المنتوج الزراعي قبل أن تسيطر على حقول أنابيب إمداد النفط لاحقا"، وهذا ما سيعرضه التقرير أدناه. 

    ويبدو أن الصراع على سوريا أساسه اقتصادي بالدرجة الأولى، خاصة إذا تأكدت معلومة أن سوريا تعوم على بحر من الغاز فهذا من شأنه يثير اللعاب وبالتالي البحث عن "حكم هش" في سوريا يقبل بالتحالفات الاقتصادية المطلوبة منه إقليميا ودوليا.

    الحقول الجديدة بالأرقام

    في شهر آب/أغسطس 2011 أعلنت سوريا عن اكتشاف بئر جديدة للغاز في منطقة (قارة) التابعة لمحافظة ريف دمشق.

    وقال موقع (سيريا أويل) إن اكتشاف البئر الجديدة يأتي بعد أقل من شهر على افتتاح مشروع استثمار غاز حقل (صدد) الذي يقع شرقي مدينة حمص وسط البلاد. وأضاف أن الاكتشاف الجديد لبئر (قارة) يعطي مؤشرات كبيرة ومهمة لقطاع الغاز, فمؤشرات التجريب أظهرت أن البئر أفضل من حقل (صدد) وسط سوريا, الذي ينتج يوميا 1.2 مليون متر مكعب من الغاز, ولكن المؤشر الأهم هو أن وجود الغاز في منطقة (قارة) القريبة من العاصمة السورية يشير إلى إمكانية انتشاره إلى منطقة جنوب وغرب دمشق.

    و المؤشر الآخر المهم هو أن الغاز الذي أنتج في حقل (صدد) نفذته شركة وطنية استكشافا وإنتاجا, وكذلك ما تم في حقل (قارة) تم استكشافه من قبل شركة وطنية, ما يعني ألا حصة للشريك الأجنبي وهذا بحد ذاته إنجاز كبير للاقتصاد السوري. ومع دخول حقل (صدد) الإنتاج قارب إنتاج سوريا من الغاز ثلاثين مليون متر مكعب يوميا يخصص منه نسبة %88 لتوليد الطاقة الكهربائية و%12 لبقية وزارات النفط والصناعة.

    ويسهم الغاز بنسبة %60 من وقود مجموعات توليد الطاقة الكهربائي، وقد زاد إنتاج سوريا من الغاز خلال عام 2010-2011 أكثر من 10 ملايين متر مكعب يوميا بتدشين معمل ايبلا بطاقة 2.5 مليون متر مكعب, وجنوب المنطقة الوسطى بحوالي 7.2 مليون متر مكعب يوميا.

    ويشكل الغاز المنتج في سوريا ما يعادل 30 ألف طن فيول يوميا، وهناك مشاريع تنتظر الغاز مثل مشاريع توليد الطاقة كتوسع محطة (الدير علي) جنوب دمشق ومحطة توليد (دير الزور) ومشاريع وزارة النقل والمدينة الصناعية (بعدرا) ومعامل السيراميك. وأشار إلى أنه يتم العمل حاليا على إنجاز معمل شمال المنطقة الوسطى للغاز.

    وعائد الإنتاج اليومي يوفر على الدولة ما يزيد على ثلاثة ملايين دولار. والشركات الروسية لها دور مهم في الحقول السورية فمثلا الشركة التي تنفذ معمل غاز شمال المنطقة الوسطى هي (ستروي ترانس غاز) الروسية وكانت قد نفذت خط الغاز العربي الذي يمتد من العريش المصرية إلى الأردن وسوريا ولبنان إلى تركيا, ومنها إلى أوروبا, إلى جانب معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى, وهما من أكبر مشروعات الطاقة في سوريا.

    كما أعلن مساعد وزير النفط الإيراني جواد أوجي، أن 7 مستثمرين دوليين أعلنوا استعدادهم لتوفير المصادر المالية وتصميم وإنشاء خط أنابيب لنقل 110 ملايين متر مكعب من الغاز الإيراني إلى العراق وسوريا والدول الأوروبية الراغبة، هذا في الوقت الذي كان الإتحاد الأوروبي يفرض عقوبات على سوريا.

    وأكد المهندس العلاو في تصريح لـ “سيريا أويل” أن مشروع استثمار غاز حقل (صدد) يعتبر رافدا جديدا للاقتصاد الوطني من خلال توفير نحو 600 ألف دولار يوميا كانت تذهب لشراء مادة الفيول الذي يستخدم في تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية بينما سيتم الاستعاضة عنها بالغاز المنتج محليا، مشيرا إلى ان الشركة السورية للنفط اكتشفت عدة حقول غازية في المناطق المجاورة مثل حقل غاز البريج و حقل غاز ديرعطية وهي الآن تقوم بإعداد الدراسات الهندسية اللازمة لاستكمال تطوير الحقلين وستتولى الشركة السورية للغاز ربطهما الى معامل الغاز المجاورة.
     

    عودة إلى البداية ... زمن الفرنسيين

    في صيف عام 1920 صدر عن فرنسا ما عُرف بـ"إنذار غورو" والذي طالب "الحكم الفيصلي" بدمشق بقبول الانتداب الفرنسي وإلغاء التجنيد الإجباري للجيش وتسريحه.

    ولاحقا تبين أن أبرز غاية كانت لدى الجنرال غورو هي "قبول التعامل بالأوراق النقدية التي أصدرها بنك سوريا ولبنان.. ووضع مجموعة سكك حديدية داخل سوريا تحت تصرف الفرنسيين".

    ولاحقا يتبين أنه كان هناك اتفاق في مؤتمر سان ريمو الشهير لوضع اليد على نفط العراق ومن ثم تمرير الأنابيب عبر سوريا إلى البحر المتوسط.

    وتوالت الأحداث التي تؤكد الولع الفرنسي بالغاز والنفط بسوريا. ففي نهاية الثلاثينات أقدمت حكومة جميل مردم بيك على توقيع امتياز اتفاقيتي البترول والبنك السوري لصالح الفرنسيين. ومعلوم أن انشاء بنك فرنسي في سورية لاصدار النقد السوري واستغلال مدخرات سورية كان أحد شروط الانذار الذي وجهه الجنرال غورو الى الملك فيصل، ثم نفذت فرنسا ذلك بحكم الاحتلال فأنشأت البنك الذي سمته مصرف سورية ولبنان.

    ويرد في مذكرات أحد مؤسسي حزب البعث، وهو أكرم الحوراني، أن سلطات الاحتلال الفرنسية قد رتبت مرور النفط العراقي من سورية وحددت نصيب الحكومة السورية من عائدات المرور باعتبار انه كان لفرنسا حصتها في شركة بترول العراق (اي بي سي).

     وكان توقيع جميل مردم على ما سمي آنذاك اتفاقيتي البترول والنقد تثبيتا للأوضاع الاقتصادية التي فرضها الاحتلال واعطاء لها صفة الشرعية.

    وكان مردم بيك أيضا وزيرا للمالية بالنيابة عن الوزير شكري القوتلي الذي كان في الحج، وعندما عاد وسمع ما حصل قدم استقالته "احتجاجا"، لكن بعض الكتب السورية أشارت إلى أنه قدم استقالته حزنا لأن كان يتمنى أن يحظى بالتوقيع على الاتفاقيات مع الفرنسيين.

    ومن نافل الحديث هنا المرور على قصيدة الشاعر خليل مردم بيك، قريب رئيس الحكومة، والذي كتب رائية ينتقد فيها قريبه وحكومة الكتلة الوطني:
    قالوا: الجزيرة لا ترضى بحكمكم
     ما في الجزيرة الا النفط والقار
    ديار عمر بن كلثوم يعيث بها
     بهزل دهرك اسكاف وخمار
    طي وتغلب هل نامت فوارسها
    فصال يرهج في الميدان حمار؟

    وطبعا ويقصد هنا منطقة الجزيرة السورية الغنية بالنفط والغاز والثروات المعدنية الأخرى وهي شمال شرق سوريا.

    وحديثا، حصل منذ سنوات برود العلاقات السورية الفرنسية على خلفية الملف اللبناني وتداعياته، إلا أن الحزن الفرنسي كان ينبع من حرمانهم من عقد غاز بالغ الأهمية عام 2005 عندما أعطت وزارة النفط السورية عقداً لاستثمار مشروع غاز وسط سوريا، بكلفة تبلغ 750 مليون دولار، إلى ثلاث شركات هي(اكسيدنتال) الأميركية و(بتروكندا) الكندية و(بتروفاك) الأميركية البريطانية، وذهبت شركة "توتال ألف" الفرنسية مع الريح.

    السؤال اللافت والمثير لماذا غضب الفرنسيون لخسارتهم  هذا العقد.. في الوقت الذي استمرت شركات فرنسية أخرى توقع عقودا مع سوريا بشكل طبيعي ؟ حيث وقعت الشركة السورية للنفط وشركتي موريل وبروم الفرنسية  وشركة بتروكويست العالمية المحدودة على عقد التنقيب عن البترول وتنميته وانتاجه في اراضي محافظات حمص وحماة وطرطوس بقيمة 22 مليون دولار، وذلك في فترة قريبة من حرمان الفرنسيين من عقد الغاز الأول.  صحيح أن الفارق كبير بين العقدين ، ولكن يبقى السؤال الذي أثير أعلاه في غاية الأهمية.
    وقد يقول أحدهم إن العلاقات الاقتصادية ليست أصلا متينة بين البلدين. ووفق بحث أعدته راما نجمة فإن منطقة الشرق الأوسط تستحوذ على 3.5% من الصادرات الفرنسية، أي نحو 13 مليار يورو، أما الشركاء التجاريون في المنطقة فهم مصر وقطر والسعودية وإيران والإمارات، أما سورية فتلحق بهم متأخرة بصادرات لا تتجاوز نصف مليار يورو يهيمن عليها قطاع المحروقات بالاتجاهين.
    ويقول البحث إن  المشاريع الفرنسية العاملة في سورية  15 مؤسسة تشغل 800 فرصة عمل، وطبعاً فإن المستثمر الأول توتال للنفط، ويبلغ استثمارها 61 مليون دولار، وهناك مصنع الجبنة «بل» برأسمال 13 مليون يورو، وهناك ألتا ديسك للتبغ الذي يتعاون مع المؤسسة العامة للتبغ ويستثمر 5 ملايين يورو.
    مع ذلك، يرى مراقبون أن العامل الاقتصادي كان أساسيا ومهام بالنسبة للعلاقة الفرنسية السورية، وكلما ازدادت العلاقة السياسية تعقيدا كلما صار العامل الاقتصادي تحت المهجر ومثيرا للاهتمام بضغوط من التجار وأصحاب رأس المال، وكلما صارت العلاقة السياسة أقل تعقيدا تصبح العلاقات الاقتصادية مثيرة الاهتمام أكثر فأكثر.

    وبلغة أدبية تعبيرية: إن الفرنسيين يفضّلون تطبيق المثل الشائع لديهم " اقتصاد في غير محله يتسبب بنفقة أضخم"، وربما يوجد اعتقاد لدى السوريين أيضا أن "النافذة التي يخرج منها الهواء الفاسد هي نفس النافذة التي تسمح بدخول الهواء الصالح "، فصحيح أن فرنسا في الماضي – على سبيل المثال- كانت تؤثر سلبا على توقيع اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي ولزمت الموقف الأمريكي إزاء دمشق أيام شيراك، لكن هي فرنسا ذاتها التي كانت ترسل موفدين إلى سوريا وتنتظر رأي "توتال" بكل ما يجري. يجب أن نتذكر القول الشهير: النفط 90% منه سياسة و10% اقتصاد.