آراء

  • عبيد النظام – عبيد الثورة...

    06 نوفمبر 2012 - 09:18 م : جورج رينه
  • لم يكن يخطر ببال السوريين المآل الذي آلت اليه مدنهم و حياتهم و مجتمعاتهم من خراب و موت و تشتت، فيفاجئوا بمدن سويت أجزاء كبيرة منها بالأرض و ضحايا بعشرات الآلاف و مشردين بالملايين، ناهيك عن فقد الأرزاق و الممتلكات، حتى أن بعض السوريين بات يحمل جنى أيامه بيده، في بعض الحالات ما لا يتعدى مرتبة النوم الأسفنجية و بعض المتاع مما تيسر حمله.

     

    الصورة النمطية للإنسان السوري بما ألفها السوريون، من تراحم و تعايش و تسامح هي الآن موضع تساؤل، فالحاجز الأمني أمسى الآن محكمة ميدانية، قد تضع نهاية لحياته جراء أي خطأ في الإجابة أو الإستجابة، أو نتيجة إنتماء مناطقي أو طائفي معين، و الأصابع على الزناد أصبحت نزقة و مرتجفة، و معايير النصر أصبحت تقاس بمقاطع "اليوتيوب" المحدثة آنياً بأي شريط عن تفجير أو إقتحام أو إعدام ميداني أو تصفية خصوم، فتهمة "شبيح" الآن لا تقل خطورة عن تهمة "مندس" و كلاهما قد يودي بحياة (المحكوم) إثر جلسة تقاضي قصيرة يتم التداول فيها أحيانا بواسطة الهاتف المحمول، حتى أن بعض الأحكام صدرت من سجون لبنان حيث يقبع بعض منظري الثورة. على المقلب الآخر، و خاصة بعد أحداث تموز- يوليو الماضي، تغيرت العقيدة القتالية للقوات النظامية كليا، و لم يعد هناك حرج من إستخدام الراجمات و القصف الجوي بقنابل ذكية و غبية لا فرق، حتى بتنا نرى حشود النازحين تتنقل بين مناطق المدينة الواحدة بحسب سخونة المعارك، و يتذبذبون بين التأييد و المعارضة بحسب الموقع الجغرافي و السيطرة العملياتية على الأرض.

     

    الآن، لا مكان للحياديين، الكل مرغم بالإلتحاق بأحد المعسكرين (أو المعسكرات أحيانا) المسيطرة على الأرض، على الأقل في الظاهر، على مبدأ "بوش الإبن" (من ليس معنا فهو علينا)، في حرب بدون محرمات، تستباح فيها كل الأسلحة و الأهداف، وقودها الأنفس و البنيان، و يتم البت بمصائرهم بين التنسيقيات و اللجان الثورية و قوات السلطة من جهة، و من جهة أخرى سياسيي الدول العظمى و الصغرى من الصف الأول و الثاني و الثالث مع أجهزة إستخباراتهم، و أصحاب المصالح الكبرى و الدنيا و كل من هب و دب ، و لكل منهم حساباته و أهدافه.

     

    كل ما سبق لا يبرر أو يبرأ أي من الأطراف، لكن في النهاية، نحن نتكلم عن شعب مقهور مغلوب على أمره، تتقاذفه السياسة و تذبحه المعسكرات و مراكز القوى و القرار، يتكلم العالم بأسره بإسمه، و لكن حقيقة لا يملك أحد حق تمثيله، إنما يمنح هذا الحق عنوةً لمن يتحكم بالسلاح و القوة النارية. بالنتيجة تحول السوريون من شعب كان يٌتهم النظام بإستعباده يوما، اليوم تقاسمته معه الثورة، فأصبح عبدا للنظام تارةً و و للثورة طوراً، و النتيجة واحدة...

    -----

    المقال يعبّر عن رأي الكاتب



مقال سيريا بوليتيك

آراء

تابعونا