آراء

  • حرب النفط... تستمر

    04 نوفمبر 2012 - 06:17 م : حسن م. يوسف
  • قبل نحو عام كتبت في هذا الركن مقالاً بعنوان «النفط مستعبد الشعوب» جاء فيه : «يقول الفيلسوف وعالم الاقتصاد والمنظر الاجتماعي الألماني كارل ماركس: «التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى كمأساة وفي الثانية كمهزلة».

    ولعل الجانب الأكثر هزلية في مأساتنا مع النفط الذي يستعبدنا نحن العرب ، هو أن بعض المتحكمين بالثروات النفطية من (أشقائنا) وصلوا حداً من الانحطاط باتوا معه يمولون غزو بلدان أشقائهم من أموال نفطهم».
    أعترف لكم أنني عندما كتبت الفقرة السابقة لم يكن يقيني بصحتها كلياً وراسخاً، إلا أنني قرأت قبل أيام دراسة رصينة بعنوان «سورية.. تركيا.. إسرائيل وحرب الطاقة في الشرق الأوسط الكبير» بددت آخر ظلال من الشك لدي.
    الدراسة بقلم الباحث والمؤرخ الأمريكي- الألماني فريدريك وليام إنغدال. وإنغدال لمن لا يعرفه باحث رصين ذو مصداقية من أهم كتبه «السيطرة الشاملة - الديمقراطية الشمولية في النظام العالمي الجديد» و«بذور الدمار - الأجندة الخفية وراء البذور المعدلة وراثياً». «آلهة المال - وول ستريت وموت القرن الأمريكي». «عقد من الحروب - عن السياسة النفطية الأنجلو أمريكية والنظام العالي الجديد». و«أساطير، أكاذيب وحروب النفط».
    لاشك في أن الدراسة جديرة بالقراءة بكاملها، وقد قام مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية الدمشقي بنشر ترجمة مقبولة لها. وهنا سأكتفي بالوقوف عند بعض النقاط المتصلة بحرب النفط.
    يستفيض الباحث في الحديث عن الأهمية المتنامية للغاز في العالم لأنه يقدم طاقة نظيفة صديقة للبيئة، تشكل بديلاً ممتازاً من مصادر الطاقة التقليدية والنووية. فالأولى تلوث البيئة والثانية تنطوي على مخاطر جدية تبدت في كارثتي تشرنوبل وفوكوشيما. الأمر الذي جعل ألمانيا تتخلي مؤخراً عن إنتاج الطاقة النووية، فالغاز يقلل من نسبة انبعاث غاز ثاني أوكسيد الكربون، وهو أرخص بما لا يقاس من كل الأشكال الطاقة الأخرى.
    وبما أن قطر وإيران تتشاركان في حقل غاز واحد هو حقل بارس الجنوبي الذي هو أكبر حقل غاز في العالم، ونظراً لأن أوروبا هي أكبر سوق غاز صاعدة فإن من يوصل غازه إليها سيكون الفائز بالصفقة الكبرى.
    وقد تم مؤخراً توقيع اتفاق بمد خط أنابيب غاز من إيران إلى سورية عبر العراق بكلفة عشرة مليارات دولار أميركي. ويرى الباحث إنغدال أنه ليست لقطر مصلحة قي نجاح هذا الخط، لذا - وهنا أقتبس كلماته بالحرف- تقوم قطر: «...بفعل كل شي تستطيعه من أجل تخريب الخط بما في ذلك تسليح مقاتلي المعارضة السورية اللامتناغمة، حيث الكثير من هؤلاء المقاتلين جهاديون تم إرسالهم من السعودية وباكستان وليبيا».
    وما زاد من تصميم قطر على تدمير التعاون الغازي السوري الإيراني العراقي على حد قول إنغدال هو: «الاكتشافات التي جرت في آب 2011 من شركات التنقيب السورية على حقول غازية جديدة ضخمة في منطقة قارة... وبالقرب من ميناء طرطوس ووفقاً لمصادر جزائرية مطلعة، يُعتقد أن الاكتشافات الغازية السورية... تعادل أو تتجاوز ما يوجد في قطر من غاز».
    وبعد أن يوضح إنغدال البعد العالمي لمعركة الغاز في الشرق الأوسط الجديد يختم دراسته المقلقة بالقول : «إن المعركة من أجل السيطرة المستقبلية على سورية هي في قلب هذه الحرب الجيوسياسية الضخمة ولعبة شد الحبل. وحلها ستكون له عواقب هائلة ستؤدي إما إلى سلم دولي أو حرب لا تنتهي وصراع ومذابح. الغاز الطبيعي هو العنصر الملتهب الذي يشع لهذا التدافع المجنون نحو الطاقة في المنطقة».
    بكلمات أخرى: حرب النفط تستمر، وبينما يموت الناس الفقراء فوق الأرض في صراعات يتوهمون أنها تتصل بالسماء، يتصارع الأغنياء على ما في باطن الأرض من ثروات، لقد أوهمنا الأوروبيون خلال الحرب العالمية الأولى أنهم يريدون مساعدتنا لبناء دولة عربية كبرى بعد تحريرنا من الاستعمار العثماني، لكنهم فتتونا وتقاسمونا، وهاهم يحاولون إعادة تقسيم المقسّم وتجزيء المجزأ، لأننا لم نستوعب الدرس الأليم من المرة الأولى!

    -------

    نقلا عن "الوطن" السورية



مقال سيريا بوليتيك

آراء

تابعونا