آراء

  • البعد الاقتصادي في أزمة سوريا

    28 يوليه 2012 - 10:39 AM : فايز سارة
  • بعد عـام ونصــف العــام، ما زالت تأثيرات أزمة سوريا المتصاعدة في الجانــب الاقتصادي غير واضحة ولا صادمة بمــا يكفــي. والســبب في ذلك، أن الأطراف السورية مشغولة أكثر بالوضعين الامني والسياسي، خاصة أن الاحتياجات المعاشية الاولية، لا تزال مـتوافرة، سواء بالحــدود المقــبولة أو وسط صعوبات جزئية أو متوسطة، وذلك يعود الى أمــرين أو لواحد منهما: الاول توافر مصادر محلية، وهذا يتعلق أساسا بالمواد الغذائية، والاخــرى المصنعة محلياً، والثاني، وجود احــتياط مستورد لم ينفد بعد، ولوجــود مـسارب للتــهريب ترعاها وتستفيد منها مفاصل في السلطة، تم تنشيطها بحيث توفر بعض احتياجات السوق السورية.
    غير انه خارج الضباب الذي يغطي تجليات الازمة في جانبها الاقتصادي، يمكن القول، ان الوضع الاقتصادي في سوريا أوشك على الانهيار بفعل مجموعة من التطورات التي أحاطت به، والمستمرة في التدهور المتسارع، كلما أوغلت الازمة السورية نحو الأبعد، والأهم في هذه التطورات يظهر في ثلاثة مسارات:
    الاول خلاصته توقف شبه كلي لحركة القطاعات الاقتصادية، وهو أمر ينطبق بصــورة واضــحة على قطاع السياحة والخدمات، وقد أصيــبا بانهيار شبه كامل مع بدايــات الأزمـة، ليس نتيجة وقف تدفق السياح والوافدين السوريين فقط، بل بسبب ميل أغلب السوريين الى التخــلي عن كل ما هو غير ضروري من خدمــات، ثم تبع ذلك توقف، تزايدت معدلاته تباعاً في القطاع الصناعي والحرفي، نتيجة عوامل كثيرة، منها عدم توافر مستلزمات الإنتاج، ونقص السيولة وصعوبات النقل والتسويق، واستمر النشاط الزراعي بحدود رغم الظروف، وخاصة نتيجة اجتياح المناطق الزراعية وتدميرها من قبل الجيش، وبفعل عمليات التهجير الواسعة في الارياف، ونقص مستلزمات الانتاج وصعوبات النقل والتسويق.
    وثاني المسارات، التدمــير الواسع للبــنى التحتية للاقتصاد الــسوري أو تدهــور أداء بعضها، خاصة قطاعات الكهرباء والنقل والاتصالات، إضافة الى التدمــير الواسع الذي لحق بمدن وقرى كثيرة في القسم الأنشــط من البلاد وهي مناطق الوسط والجنوب، التي أصيبت بنيتها السكانية بأضرار كبيرة وخاصــة في المناطق الريفية التي تقــوم على الزراعــة والإنتاج الحيواني، وتتم فيها أنشطة ممهدة للصناعات المحلية ومنها الصناعات الغذائية وصناعة الألبان.
    وثالث المسارات يجسده تردي الأحـوال الاقتصادية لقطاعات كبيرة من السوريين. واذا كانت معدلات الفقر قبل بد الثــورة قبل عام ونصف، تشير الى واحد من كل ثلاثة سوريين، يعيش تحت خط الفـقر، فإن هذه المــعدلات تغيرت بصورة جوهرية، ذلك أن تدمير البيوت والممتلكات وأعمال النهب والســرقة وفـقدان مصادر العيش، وفقدان المعيلين، ثم عملـيات تهجير أكثر من مليوني نسمة من بيوتهم في داخل سوريا، ونصف مليون خارجها، إضافة الى أن البطالة والغلاء، عوامل تؤدي الى زيادة الفقر والبؤس.
    وباستثناء التطورات الداخلية في مساراتها الثلاثة السابقة، فإن تطــورات خارجية تمثل مساراً رابعاً، أدت الى تزايد التردي في الواقع الاقتصادي لسوريا في ظل الازمة الراهــنة، والاهم في هذه التطورات الخارجيــة أمران، أولهــما توقف معظــم المشاريــع التي كانت تمولها وتنفذها جهات دولية في سوريا، كما هو حال مشاريع الامم المتحدة ومنظماتها ومشــاريع الاتحاد الاوروبي، وبعض هذه المشــاريع كــانت له مساهمة ملموسة في تنشيــط جوانب من الحياة السورية، والامر الثاني، تمثله العقوبات التي فرضتها جهات عدة، وشــملت عقــوبات مالية وتجــارية ومصــرفية، أثرت بصــورة سلبية على أداء قطاعات واسعة من الاقتصاد السوري.
    وبطبيعة الحــال، فــإن أجواء الازمة، والــقلق من احتــمالات تطورها، أديـا الى فقدان ثقة بالنظام القائم، وبالمؤسسات السـورية، وتخوف مما يمكن ان يؤول اليه واقع الاستثــمار في البلاد، وكله أدى الى سحب كثير من الاستثــمارات العربية والاجنبية الموجودة في البلد، وامتناع الراغبين بالاستثمار في سوريا عن تنفـيذ استثماراته وسحب أموالهم منها الى أماكن أكثر أمناً وأماناً.
    خلاصة الامر، ان واقع الاقتصاد السوري ببيئته وقطاعاته المختلفة وبمتمماته كلها، يسير في منحدر نحو الانهيار الشامل، والسبب الرئيس لهذا المسار، يمثله توجه النظام نحو حل عسكري ـ أمني لأزمة سوريا السياسية الاقتصادية والاجتماعية، كان ينبغي أن يكون لها حل ومعالجة سياسية. ولا شك بأن أي بداية لمعالجة الوضع الاقتصادي في سوريا، تبدأ من وقـف الاعمال الامنية العسكرية الجاري تنفيذها، والتوجه الى عمل سياسي يفتح الباب أمام معالجة الازمة وإجراء تحول سلمي نحو نظام ديموقراطي يوفر الحرية والكرامة والعدالة والمساواة للسوريين.

    "السفير"



مقال سيريا بوليتيك

أكثر الأخبار قراءة

تابعونا