مقال سيريا بوليتيك

  • دفاعا عن المسلمين السنة في سوريا..

    16 يونيو 2012 - 10:10 PM : هيئة التحرير
  • وسط سيل من التعليقات والآراء والجدل والنقاش حول وجود جماعات تكفيرية وتنظيمات أصولية تنشط على الأرض في سوريا، قد يُفهم من كلام البعض وآرائهم أنهم يقصدون احتضان "المسلمين السنة" في سوريا لهذه الجماعات.

    نأسف ونعتذر من قرائنا لخوضنا في موضوع الطوائف في سوريا، ولكن – وكما كنا دائما- لن نخوض في موضوع الطوائف إلا من باب معلوماتي بحثي واستراتيجي في تغطيتنا الصحفية، ومن باب الحرص على العمل دائما على التقريب بين المذاهب وليس إثارة النعرات المذهبية في افتتاحيات الموقع.

    وكما كان "سيريا بوليتيك"، ومن خلال تغطيته الصحفية، أبرز موقع سوري غطى الأقليات في سوريا وما تتعرض له من انتهاكات – من قبل جماعات أصولية- تم توثيقها من قبل منظمات دولية، وكما دافعنا في افتتاحية الموقع عن الأقليات السورية وفي مقدمتها الطائفة العلوية المسلمة، فإننا أيضا نخصص هذه الإفتتاحية للدفاع عن المسلمين السنة في سوريا.

    ليس دفاعا عن السنة ضد أحد، وإنما ضد كلام من بعض الأطراف قد يُفهم منه- من حين إلى آخر وسواء عن قصد أو غير قصد- أن السنة في سوريا يحتضنون الجماعات المتطرفة التي تكفر الاقليات، وهذا غير صحيح.

    وكما كان موقعنا ضد الطائفية ويعتبرها خطا أحمر، ويتناول الطوائف معلوماتيا وليس لإثارة النعرات، وكما بث أخبار الاقليات في سوريا وكان النافذة الاخبارية لهم على العالم، فإنه لا يمكن أيضا في سياق – رفض الطائفية- إلا الدفاع عن المسلمين السنة في سوريا وتوجيه رسالة لكل السوريين: لقد تعبنا. توقفوا عن المسميات الطائفية.. كل طائفة فيها الصالح وفيها الفاسد، بناء على تربية هذا الشخص وسلوكه في بيئته وفي بيته، وليس مرتبطا بجوهر أي مذهب من المذاهب في سوريا، لأنه الله الخالق العظيم عندما يخلق الناس لا يحدد الانتماء المذهبي لكل مخلوق قبل ولادته. يقول الإمام علي: الإنسان إما أخوك في الدين أو نظيرك في الخلق.

    كان المسلمون السنة في سوريا وسيبقون قلعة للإسلام المعتدل، وهو ما أتاح للحركات الاسلامية التنويرية والفلسفية والصوفية الانتعاش والانتشار في أرض الشام فيما واجهت القمع في بلدان أخرى.

    وعندما يتم الحديث مثلا عن تنظيم الطليعة المقاتلة وأفكار مروان حديد – التي أصبحت لاحقا مرجعا مهما لتنظيم القاعدة- وعن حركات إسلاموية سورية أخرى، يجب الإنصاف بتحديد أن هذه جماعات سياسية وليست برلمانا يعكس أهواء ورغبات وأفكار وهوية المسلمين السنة في البلاد. فالسنة بينهم الشيوعي، والاسلاموي، والناصري، وبينهم القسم الأكبر من غير المنتمين سياسيا والذين مثلهم بقية شرائح الشعب السوري يسعون للعيش في حياة كريمة.

    نعم، علينا أن نكون منصفين، وألا نرى بعين واحدة. نعم كان هناك مروان حديد الذي روج فتوى ابن تيمية في تكفير العلويين، وكان الريف العلوي مهمشا حتى عام 1963 والناس يذهبون حفاة إلى المدينة. ونعم، تمت تصفية أطباء وعلماء علويين لأسباب مذهبية. ولكن هذا حصل من قبل جماعات سياسية لديها فكر إيديولوجي من الخطأ اعتباره فكرا لدى مجتمع عام هو أهل السنة في سوريا.

    وإذا كان مروان حديد تسبب بمقتل المئات من العلويين، فإن أكرم الحوراني عمل على تأمين الحياة الكريمة لعشرات الآلاف منهم عندما تبرع بأراضي أجداده للفلاحين العلويين الفقراء الذين كانوا يعيشون تحت سطوة الإقطاع. ولا ننسى صلاح البيطار الذي وقف ضد الطائفية، وغيرهم المئات من الشخصيات السياسية الفذة التي داست على الطائفية بحذائها ( نحن نذكر هنا شخصيات سياسية على سبيل المثال، وأما عموم الناس من السنة فهم يحملون نفس الافكار).

    إن عموم السنة والعلويين في سوريا يجنحون للعيش معا، وإلا كيف يمكن تفسير الزيجات الحاصلة في كل قرية وفي حي من أحياء المدينة بين المذهبين. هذه الزيجات لم تحصل بقرار من القيادة القطرية لحزب البعث، ولا بأمر من المفتي أو وزارة الأوقاف السورية ! هذه الزيجات حصلت نتيجة وجود رغبة من الطرفين بتقبل العيش مع الآخر. نعم هناك متطرفون في المذهبين، ونقصد بالمتطرفين فكرة واحدة حصرا وهي وجود عائلات من هذا المذهب ترفض الزواج من عائلات المذهب الآخر، وهي حرة بذلك، فهي تعتقد أن هذه تقاليدها التي يجب أن يحترمها الناس، وللحق نقول أن هؤلاء – ورغم "تزمتهم الديني هذا"- إلا أنه لا ينقصهم الكرامة والأخلاق العالية في التعامل وحسن الجوار بين الطرفين.

    رغم استمرار بعض الإجراءات والقوانين ذات صبغة الطائفية ضد العلويين حتى بداية الخمسينات، إلا أن ذلك لم يمنع قيادة الجيش -التي كانت سنية- من أن تتعاطى بشكل إيجابي مع الضباط القادمين من ريف العلويين ووصولهم إلى أرفع المناصب، مثل العقيد غسان جديد، قائد "الفوج العلوي" الذي دخل فلسطين عام 1948 لتنفيذ مهمة عسكرية باعتباره تابعا لجيش الإنقاذ، الذي كانة يقوده القائد الأعلى فوزي القاوقجي .

    المسلمون السنة في سوريا هم قلعة الاعتدال الإسلامي في العالم؛ وخير مثال أنه فيما اختفت وتبخرت المدارس الفلسفية الإسلامية التنويرية الفكرية أو الصوفية في بلدان مسلمة كثيرة، فإنها استمرت في سوريا ولم يكن هذا الاستمرار مرتبطا بقرار سياسي من حكومات أو أنظمة بل بسبب توفر قبول اجتماعي له. هنا تجب الإشارة إلى الشيخ محيي الدين بن عربي المتصوف الإسلامى الكبير، صاحب بيت الشعر الشهير "أدين بدين الحب أنى توجهت.. ركائبه فالحب ديني وإيماني". بيت الشعر هذا يشير إلى تعاليم المدارس الاسلامية في سوريا القائمة على الدعوة للمحبة والتسامح، وليس "القتل والتكفير وقطع الرؤوس" كما يحصل في دول أخرى.

    وبالمقابل، يسعى متطرفون لرسم "ملامح مريّخيّة" لـ"العلوية" من خلال جملة من الأساطير التي يرسمونها حول "العلوية"، حتى أن أحدهم تحدث عن "الكنز والثروات من الذهب وغيره الموجودة في كل قرية علوية" وهو يعرف الحقيقة ولا ينطق بها وهي أن الريف العلوي لا يزال فقيرا حتى اليوم، وهناك قرى لا تصل الطرقات إليها. من الناحية الفكرية والسياسية، "العلوية" هي اتباع فكر علي بن أبي طالب في العدالة واحترام حقوق الإنسان والحرية وتحرير الإنسان من الظلم، ولذلك إن كل إنسان يناضل من أجل الحرية والعدالة وحقوق الإنسان هو "علوي"، وكل إنسان يناضل من اجل العدالة هو "عمري" نسبة إلى عمر بن الخطاب مؤسس نظام الدولة المتطور والقائم على العدالة في زمن الخلافة الإسلامية.

    إذن، خرج مروان حديد من السنة، ولكن الكفة تميل لصالح القسم الأكبر من السنة من أنصار فكر العيش المشترك مثل أكرم الحوراني. وبالمقابل، خرج مسؤولون فاسدون ومنتهكون لحقوق الإنسان من العلويين، وكذلك الكفة تميل لصالح القسم الأكبر من العلويين الراغبين بالعيش المشترك وإلا ماذا نسمي آلاف السجناء السياسيين والمثقفين الذي قضوا سنوات عمرهم في السجن ليس من أجل مذهب أو طائفة ولكن من أجل سوريا وطنية وحرة وديمقراطية.

    لذلك. نقول الآن وبصوت عال: تعبنا. باختصار: ليستمر كل سوري بنضاله السياسي الذي يراه صحيحا، ولكن اتركوا المذاهب جانبا. مشكلة سوريا ليست في اي جامع نصلي، أو وفق أي مذهب نصلي، ولا وفق أي مذهب نجري معاملات الزواج ! مشكلة سوريا هي مشكلة سياسية تحتاج إلى حل سياسي وصولا إلى دولة ديمقراطية وطنية حرة عمادها الدين لله والوطن للجميع.

     


     



مقال سيريا بوليتيك

أكثر الأخبار قراءة

آراء

  • الأخضر الإبراهيمي وشروط «الطائف السوري»

    بقلم : جان عزيز
    التفاصيل
  • كل العالم يبحث عن المخطوفين اللبنانيين..والجميع يتجاهل المخطوفين السوريين في وطنهم

    بقلم : عبدالله شومان
    التفاصيل
  • أهم الواجبات الحالية للحركة السياسية الكوردية

    بقلم : جان كورد
    التفاصيل
تابعونا