إن تكفهر السماء غضباً على الشعب السوري، قضية، لكن ان يصرّ السوريين سلطة ومعارضة على دمار الوطن السوري بشكل ممنهج وبإيديهم عبر الرفض المطلق للغة الحوار الحضارية، فإن ذلك مؤسف ومحزن لما يدّعيه اي سوري، في تجربة تاريخية عمرها الأف السنوات. فالكلام سهل ، كالشعر العربي، اليس التاريخ العربي ديوان شعر، وفضاءاته في الخيال؟ ام ان مايحدث في الواقع على الأرض هو الحقيقة الصارخة لعقل سوري وعربي لا يختلف عن مايحدث او حدث في الصومال او افغانستان او العراق. في انحدار ثقافي مرعب نحو غرائز الحقد والإنتقام الدموي، ولو كان بإسم اي شعار ارضي او مقدٍّس.
سورية تحتضر على يد ابنائها وكل من اعتبر ذلك فرصة ذهبية مناسبة للإنقضاض على ماتبقى من دول لها تاريخ حقيقي كالعراق ومصر وسوريا.
تحولت الإنتفاضة السورية السلمية من مظاهرات ومطالب إلى حرب بالسلاح بين سوريين وكل من استطاعت الدولة الداعمة للإنتفاضة ان تجندهم تحت عناوين مختلفة اهمها التطرف الديني. وظهر ان مايحدث في سورية عملية معقدة جدّاً نظراً لطبيعة النظام الحاكم ولمكونات الشعب السوري، وتداخل ودعم لكل من النظام والمعارضين على السواء، لابل تذكر بعض التقارير ان الأزمة اصبحت حرباً على الأرض السورية بين معسكرين بأدوات سورية وخارجية، نتج عنها اكثرمن مليوني نازح داخلي وخارجي، ومقتل مالايقل عن عشرات الألاف من حاملي السلاح والمدنيين.
ومابين المعارك المستمرة على الأرض السورية بين المسلحين والجيش السوري، لايبدو ان حلاً ما قد يكون قريباً، طالما بقيت الأطراف المتصارعة على أرائها وإن كان النظام السوري يطرح الحوار حلاً في اطار دولي. وبدلاً من استخدام العقل ولغة الحوار بين الجهات المتصارعة، تحولت سوريا وشعبها المسالم، إلى حقل الغام اجتماعي وسياسي يلعب به خصوم سوريا بإسم شعارات الحرية والديموقراطية تحت علم الثورة السورية.
في هذه الصورة المختصرة لما جرى ويجري منذ بدء الإنتفاضة السورية استخدمت روسيا والصين ثلاث مرات حق الفيتو في مجلس الأمن لمنع التدخل الخارجي، وفشلت خلاله بسبب اصحاب القرار الغربي اي محاولة عربية او دولية لإجراء حوار، تحت شرط تنحي الأسد عن السلطة. وانقسم الشعب السوري خلال اكثر من عام نصف إلى مؤيد ومعارض وحيادي في الأزمة القاتلة لكل مانسميه سوري، على صعيد المجتمع والدولة والإقتصاد ، وحياة الناس العادية، خاصة تلك التي هدّمت بيوتها في مدن متعددة، وقرى محيطة بها. وكان الإنقسام عامل اساسي في اذكاء الصراع المسلح على مساحة سوريا كلها.
وبينما يشتد العنف والمواجهات اليومية في المدن السورية، لا يظهر ومن خلال الإصرار الدولي من جانب واحد فقط ان الحل ممكن قريباً وإن كان على حساب الشعب السوري نفسه، من دمار ممنهج وتطرف وقتل ودعم مسلح بدون رغبة من اي طرف في طرح حلاً يقبل به الطرف الأخر.
فالدول الغربية الداعمة للمعارضة المشكلة في الخارج في ظروف استثنائية تعارض طرح النظام بالحوار لإيجاد حل للأزمة، حتى لوكان خارج سوريا. والنظام السوري لايقبل بأي حوار مع معارضة تطالب بتدخل عسكري او اقامة مناطق عازلة او معارضة تدعم الحراك المسلح.
هل هناك اصرار على دمار الوطن السوري من كافة الأطراف المتداخلة؟ ام ان اللاعبين السوريين في هذه الأزمة المشكلين في الخارج بسرعة، كلها او معظمها لايملك اي برنامج او مشروع او خطط لسورية المستقبل، إلا مطلب تنحي الأسد.
تشوهت المعارضة السورية المشكلة حديثاً في الخارج كثيراً بسبب ادائها الضعيف وعدم قدرتها على تجاوز فردية بعض اعضائها، او تحكم حركة الأخوان المسلمين بها خاصة المجلس الوطني، اضافة ضعف في قدرتها على ممارسة عمل سياسي حقيقي بتجميع السوريين المعارضين كلهم تحت لواء جبهة واحدة ذات برنامج واضح لمستقبل الوطن السوري، بمعايير مايطالب به السوريين وهو الديموقراطية والحرية والعدل والمساواة، وبدلاً من العمل بالحس الوطني السوري، تحول المجلس الوطني السوري إلى كتله مكبلة يحركها الأخوان المسلمين، الأضعف في طرح اي مشروح حقيقي لوطن سوري، وبعض الأفراد القلقين على اوضاعهم في المجلس التنفيذي، كونهم بألأصل لايمثلون ارضية او شعبية في سوريا.
ادّى هذا الأداء السياسي الضعيف للأخوان المسلمين، إلى شل مؤسسة المجلس الوطني وعدم قدرتها على تجميع من هرب من هذا المجلس ليشكل تجمعات نصف هلامية بعضها يبحث عن تراكمات مالية، اكثر من اداء حقيقي لتألف وطني سوري حول مشروع سوريا المستقبل. وساهمت المساعدات المالية التي تحكم بمعظمها "كما يقال" حركة الأخوان المسلمين، بتحويل الصراع الداخلي المسلح بإسم الجيش الحر، إلى صراع بواجهة اسلامية، قريبة من المذهبية والتطرف مما حول الكثير من ابناء الشعب السوري من جهة معارضة إلى جهة محايدة، او داعمة للنظام خوفاً من مستقبل قد يكون مخيفاً وغريباً عن طبيعة الشعب السوري وحياته.
وبسبب هذ الأداء الضعيف، وشبهة الكثير من اعضائها بعقلية بعيدة عن سياسة محنكة هدفها انقاذ الوطن السوري، خاصة هؤلاء الذين يطالبون بالتدخل الخارجي، او استخدام السلاح والتنظيمات التكفيرية او ذات التوجه المذهبي وما يتبعهم من مرتزقة التي اتهمت السعودية وقطر بتجنيدهم تحت يافطة الإسلام، تستمر المواجهات المسلحة على الأرض السورية، مما يعني موت وقتل مستمر من كافة الأطراف، بدون امل بحسم لأي من الأطراف.
ولإن استمرار المواجهات يعني الموت والدمار والخراب وتقويض الحياة والإقتصاد والمدن والعائلات السورية، فإن الإستمرار في هذا العناد، المدعوم غربياً بشكل حاد، والذي لا يعنيه ان تكون سوريا كالصومال او افغانستان اوالعراق، فإن المشروع الذي عنون بثورة سورية، لن يكون ثورة بنتائجه على اي مستوى، بل سورية مهدمة، او سورية مقسمة، ومشروع للمنطقة لايختلف عن مشروع سايكس بيكو الذي ضحكت به فرنسا وبريطانيا على العرب في بدايات القرن الماضي.
ذكرنا ولاكثر من مرة، بإن الحل السوري ووحدة الوطن يجب ان يتم عبر حوار بين مكونات المجتمع السوري كله، المعقد والمتسامح قبل انحدار المسألة إلى ماوصلت إليه. لكن انتهازية كثير من مؤسسات المعارضة التي لم تستطع وإلى اليوم ان تشكل مكوناً منسجماً متألفاً في الخارج في مجموعة من المطالب الواقعية امام حقائق اقلها عسكرية على الأرض، يدل على ان العديد من هؤلاء المعارضين تشكلوا بظروف أنية، ولايملكون وضوحاً او رؤى سليمة ، لبناء وطن حقيقي لجميع ابنائه. حيث مازالت الفردية في البحث عن زعامة واهية، والبحث عن المال من هنا وهناك، وشل الإرادة بفعل الدول الداعمة وصاحبة القرار في الأزمة من حواار او استمرار المواجهة، ادّت إلى عقم سياسي حقيقي، اختصر بمطلب واحد، هو تنحي الأسد عن سدّة الحكم.
ينسى هؤلاء او يتجاهل ان الإصرار في المواجهة المسلحة، تعني تحول ذلك إلى شكل اخر، لا اقل من حرب اهلية، ستؤدي بعد زمن من استمرارها إلى تموضع عسكري مناطقي بعد انهاك الجهات المتصارعة.
بالمقابل يطرح النظام اليوم الحوار، بعد ان طرحه له منذ بداية الأزمة، لكن الطرح في الفترات الأولى من الإنتفاضة السورية لم يكن جدّياً، كما هو اليوم، حيث سوف تستمر الإشتباكات بين النظام والمسلحين، طالماً تواجد الدعم المالي والبشري وتسهيلات دول الجوار لدخول المقاتلين.
لقد اظهر النظام وإلى اليوم انه متماسك وقوى وقادر على المواجهة، ليس الداخلية فقط بل الخارجية ايضاً، كونه يملك من الأدوات والأوراق والدعم والأسلحة مايكفيه للإستمرار في المواجهة، بعد كافة التجارب والإمتحانات التي واجهها مؤخراً.
لكن الحل لن يكون بالحسم، مالم تتغير مواقف الدول الداعمة، والعودة ببنود مشابهة لخطة عنان، هذا إذا كانت مشاريع الدول الكبرى بقاء سوريا كدولة جغرافية واحدة؟ وسيكون الحل بحوار حقيقي. وما استمرار الصراع المسلح على الأرض السورية، إلا محاولة جدّية لتحويل سورية إلى عراق السنوات الأخيرة، بهدف ما، ليس بعيداً عن هدف تقسيم المنطقة إلى دويلات صغيرة، لكي تنعم اسرائيل بالسيادة والسلام وبالغاز التي بدأت باكتشافه واستثماره، والذي يكفيها لأكثر من قرن من الزمن.
واخيراً هل ننسى احتمالات الحرب على سوريا او حزب الله اوإيران؟ هذه الحرب كما يقول مرشد الثورة الإيرانية قادمة وقريباً جدّاً وهذا يغير كل شئ؟
---
د. فاضل فضة/ كاتب وإعلامي سوري يعيش في كندا