المقال التالي هو "رأي" منشور في موقع "إيلاف" ويعبّر عن رأي كاتبه:
ما أردت أن أبدا المقال بهذه الطريقة، او بكتابة هذه الجمل، ولكنه قد فرض علينا التعامل والكتابة، بهكذا طريقة، لكي ندافع عن انفسنا من التهم الملفقة، بعد ان كنا جزءاً لا يتجزأ من هذا الشعب السوري، اصبحنا مهددين بالطرد والقتل، والتخوين وبفقداننا هويتنا السورية، هل لأننا " أقلية "، أم لسنا جزء من " الأكثرية "، أم هناك شكوك بأن المسيحيين ليسوا بسوريين؟
بما انني من الطائفة المسيحية، أو هناك من سيقول أن كاتب المقال مسيحي، وسوف يقيمني على اساس انتمائي الديني أو الطائفي، ومن سيقول " شبيح "، و" عوايني "، ومن أزلام النظام، أو العصابات الأسدية، وإلى ما هنالك من تسميات ومصطلحات بدأنا نسمع عنها الكثير في هذه الايام، حتى من بعض الكتاب المحترمين المثقفين، منهم من يدعي العلمانية، الليبرالية، او حتى الاعتدال والتسامح وتقبل الآخر، سأحاول أن اقرأ ما يجري، واسأل نفسي، لماذا هذا الهجوم، على هذه الفئة (( المسيحيين ))، هل فعلاً أن الطائفة المسيحية وصلت لدرجة أنها فقدت الحس الوطني، واصبحت آلة قتل وتدمير في يد النظام السوري، واصبح المسيحيون يفرحون ويهلهلون، لقتل الاطفال والنساء وعامة الشعب السوري، وأن المسيحيين هم من يقصفون بالطائرات المدن والقرى السورية، ويعملون على أبادة الطائفة السنية ( الأكثرية )، هل وصلت بهذه الطائفة " المسيحية "، " السقاطة " لدرجة أن يذبحون أبناء الوطن، عندما اسأل نفسي هذه الأسئلة، أشمئز ويقشعر بدني من انتمائي لهذه الطائفة، التي لا تنتمي للإنسانية... كما يدعون... فهل هناك أنسان في هذا العالم يملك الحد الادنى من الإنسانية، وليكن من عابدي الشيطان، أن يفرح لقتل طفل؟
بحثت في كتب التاريخ، في القصص وحتى الروايات، ظناً مني أنه من الممكن ان يعيد التاريخ نفسه.. لأجد حدثاً مماثلاً واحداً، يثبت بأن " المسيحيين في الشرق الاوسط عامة"، والمسيحيون السوريون خاصة، ارتكبوا إحدى هذه الفظائع التي ذكرت.. عبر التاريخ، مع الأسف لم أجد شيئاً واحداً، يثبت هذا، ولأبرر لنفسي أولاً، وللطائفة المسيحية ثانياً، أن بعض المتكلمين باسم الأكثرية، أو كما يصرحون الاقلية من الاكثرية، أن الاقلية المسيحية ضالعة في سفك الدم السوري اليوم... على حد زعمهم...
ما الفرق بين النظام القائم اليوم، وبين المحرضين على الطائفية، أو على قول أن المسيحيين يخونون الوطن، ما الفرق بين النظام الفاسد، وبين (الجيش الحر) الذي يتهم المسيحيين من الشعب السوري بالتشبيح لصالح العصابات الأسدية، والتحذير من تبعات هذه الممارسات الخطيرة، والتوعد بقتلهم...
بعد اكثر من عام ونصف على بداية ( الثورة السورية السلمية )، وبعد احتدام الصراع السياسي، وظهور المظاهر المروعة في الصراع العسكري، انقلبت حرب المطالبة بالحرية إلى حرب القضاء على الاقليات، إلى القضاء على طوائف معينة، والذي يدهشني أن النخبة من السوريين هم من يدعون لكل هذا، وهم من يوجهون بمقابلاتهم التلفزيونية، ومقالاتهم المكتوبة، بعض المجموعات المتطرفة، أو بعضاً من أفراد الشعب السوري البسيط، لكره طائفة دون غيرها، بنعتهم بالخونة، والعمالة.. ومن كان يطالب بالحرية بالأمس، اصبح اليوم يطالب وبشكل علني بالطائفية، يطالبون بالديمقراطية ويوزعون الكراهية بين أفراد الوطن الواحد، ويحرضون على قتل المسيحيين بطرق مباشرة، أو غير مباشرة، من خلال كتابة بعض الاسطر، أو قراءتنا لما يكتبون، أو ما لم يكتب ما بين الاسطر...
كفاكم ( منشان الله ) كفاكم تحريضاً، فسوريا لم تعد تتحمل، الشعب لم يعد يتحمل اكثر من هذا، أنتم من طرف، والنظام من طرف، ( الجيش الحر ) يقوم بعمليات عسكرية وبتفجيرات انتقامية، والنظام يقوم بقصف المدن والاحياء المسكونة والمؤهلة، والفاتورة من يدفعها؟
ونأتي لنتكلم عن أقلية تكره أكثرية، وأكثرية تحكمها أقلية، وعن مسيحي يفرح بقتل سني، وعن سني ينتقم من مسيحي، النظام يتهم المعارضة، والمعارضة تتهم النظام، والتحريض مستمر، والورقة المسيحية، تستعمل بطريقة بشعة في هذا الصراع، وكل من الطرفين يحاول الاستفادة من هذه الورقة... ونعود إلى المقولة المعروفة " إن لم تكن معي فأنت ضدي "، ( يعني يا نظام يا معارضة ) فمن الممنوع أن تكون مع سوريا، ( وإن لم يقتلك هذا، سيقتلك ذاك )، أم ستموت على اساس " شبيح " أو على أنك " مندس عميل "، فبعدما كانت " الأكثرية " تقدم الوعود والضمانات" للأقليات "، في بداية الازمة، اصبحت تُخّون وتهدد، وتنعت الاقلية المسيحية على وجه الخصوص " بالتشبيح "، لمصلحة العصابات الأسدية.
كل ما حصل ويحصل من عمليات عسكرية في المدن السورية، وقصف جوي، وتبادل أطلاق النار، ومعارك بين الطرفين، يدينه كل انسان بمعناه، فهل وجود مجموعات متطرفة يعطي الحق للنظام في قصف المدن وتدميرها، مما يتسبب بقتل الأطفال والنساء والمدنيين العزل، هؤلاء الذين ليس لهم علاقة لا من قريب ولا من بعيد، وفي نفس الوقت لا يعطي أيضاً ( الجيش الحر ) الحق، بالقتال في مناطق مؤهلة، مع علمهم بأن النظام سيقوم بقصفهم، على حد قولهم، أن النظام لا يكف عن القصف الجوي، ونحن لا ننكر هذا، إذاً، التمركز والتموضع في أماكن آهلة بالسكان، سوف يتسبب في قتل المدنيين الابرياء، وهذا يجعلهم شركاء في سفك الدم السوري، ولا يعطيهم الحق ايضاً بالقيام بعمليات تفجيرية في مناطق على اساس طائفي، للانتقام من طوائف معينة، على أساسات وهمية يبنونها في رؤوسهم، أو على ذرائع قدمت لهم من أطراف أخرى... المسيحيين السوريين، او سأسميها كما تسمونها، " الأقلية المسيحية "، كانت وما تزال وستبقى، ذكرناها مراراً وتكراراً، وسنذكرها تكراراً ومراراً، لمن لم تعد ذاكرته تساعده على التذكر، لما قدمته هذه الطائفة السورية للوطن، مع إخوانهم في سوريا، وستستمر بالتقديم، لأنهم وطنيون شرفاء، ولن ينفع اي تحريض، لأن الشعب السوري أوعى من أن تدخلوه في معمعتكم الطائفية، سنة قبل شيعة، كوردي قبل علوي، درزي قبل شركسي، إلى ما هنالك من مذاهب وطوائف في سوريا، نسيج متجانس ومندمج.
من واجب المثقفين السوريين، كتاب وإعلاميين، معارضة ومولاة، أن يتوقفوا عن التحريض، وعن التعامل من منطلق التخوين، وأن هذا الطرف هو الوحيد الحامي للأقليات، والإشارة من الطرف الآخر، إلى أن هذه الطائفة تختبئ خلف، مخاوف المجموعات المتطرفة الإسلامية، وتتحجج بهم، عليهم أن يتركوا هذه الفئة المسالمة من الشعب السوري، والشعب السوري بكامل مكوناته، تركهم وشأنهم، إن الحرية ليست هكذا، ولا الديمقراطية تحلل القتل على اساس الدين والعرق او اللون، فهذه الدولة ملك لجميع السوريين، بجميع مكوناتهم، وليست لطائفة واحدة، دعوا الأديان لأصحابها، وتعاملوا مع بعضكم كسوريين.