آراء

  • سورية: خطر التقسيم والنزاع على اقليم "الجزيرة"

    02 مايو 2012 - 8:02 PM : سليمان يوسف
  • سليمان يوسف
  • الأزمة الوطنية السورية المتفجرة في الشارع منذ أكثر من عام, تعود بجذورها وأسبابها البعيدة الى نش¯أة الدولة السورية,وترتبط ببنية هذه الدولة وبطبيعة نظامها السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي يحكمها منذ عقود. لقد كشفت هذه الأزمة عن عمق التناقضات السياسية والاجتماعية والعرقية والطائفية والاثنية والمذهبية والقبلية والحساسيات التاريخية المتراكمة في قاع المجتمع السوري ودفعت بها الى السطح. لهذا ومنذ الأسابيع الأولى للأزمة بدأ شبح الحرب الأهلية يخيم على البلاد. وهي الأزمة تبدو اليوم صراعا وجوديا- كيانيا" بين أطراف الصراع,أي كل طرف يريد أن يلغي وجود الطرف الآخر, ولم يعد الهدف مجرد اسقاط نظام استبدادي فاسد ونقل سورية الى دولة ديمقراطية تعددية .هذا الوضع يفسر سرعة صعود شبح التقسيم وتنامي نزعة الانفصال لدى بعض الأقوام السورية,مثل العلويين و الأكراد. الخيار الذي أشار اليه وهدد به الرئيس بشار الاسد بالقول: "المراد لسورية تقسيمها".إذا ما طال أمد الأزمة وامتد سعيرها الحارق ودخلت البلاد في جحيم الفوضى والفراغ السياسي غالباً ستدفع بأقوام وأقاليم أخرى, مثل "جبل العرب" ذات الغالبية الدرزية, للتفكير بالانفصال عن الكيان السوري.
    صحيح أن التقسيم والحرب الأهلية هي "فزاعات" يلوح ويهدد بها النظام لتخويف السوريين من البديل إذا ما اصروا على اسقاطه ورحيل بشار الأسد.وصحيح أن نزعة"الانفصال" تغذيها بعض الدوائر الأمنية في النظام, لأهداف وغايات مكشوفة لا تنطلي على أحد منها تشتيت قوى المعارضة وصرفها عن الهدف الأساسي للانتفاضة . لكن الصحيح أيضاً,ثمة معطيات ومؤشرات سياسية ووقائع ميدانية على الأرض تؤكد على وجود مشاريع وأجندة لتقسيم وتفتيت سورية الى كيانات طائفية وعرقية.وانطلاقاً من سيناريوهات "التقسيم",بدأت أطراف, محلية واقليمية ودولية, تتعاطى مع الأزمة والمستقبل السياسي لسورية.في هذا السياق,نقل المعارض والحقوقي السوري البارز هيثم مناع ما قالت له مسؤولة رفيعة في مجلس الشيوخ البلجيكي : "اطلعنا على مشاريع تتحدث عن تهجير مسيحيين من سورية الى لبنان, وهناك مؤشرات مقلقة بشأن وحدة الدولة السورية".ورئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق الجنرال عوزي ديان صرح لإذاعة الجيش الإسرائيلي, قائلاً: "إن فكرة انفصال الأكراد وإقامة دولة كردية في شمال سورية, ودراسة احتمال إقامة حكم ذاتي للأقلية العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد, يصب في مصلحة إسرائيل".
    إن فكرة "الدولة العلوية" ليست وليدة الأزمة الراهنة, وإنما هي تعود لزمن الانتداب الفرنسي على سورية . فقد نشرت صحيفة "النهار" اللبنانية "وثيقة سرية" بعث بها وجهاء الطائفة العلويةبينهم جد الرئيس بشار الاسد الى حكومة الانتداب الفرنسي يعبرون فيها عن مخاوفهم على الأقليات, ومن ضمنهم العلويين, من الأكثرية السنية اذا ما انسحب الفرنسيون واستقلت سورية,وهم يطالبون فيها ب¯"دولة علوية" للخلاص من الخطر الاسلامي السني".والمصادر التاريخية ذات الصلة بالموضوع تشير الى أن فرنسا كانت قد أعدت بالفعل مشروعا ل¯"دولة علوية". لهذا فالحديث هذه الأيام عن مشروع "ال¯دولة العلوية", لم يأت من فراغ.فكما يقول المثل: " لا دخان من غير نار".وهنا اعتقد بأن رفع علم "الدولة العلوية" في عدد من قرى وبلدات الساحل السوري ذات الغالبية العلوية,هو رسالة واضحة وقوية للداخل والخارج بهذا الاتجاه.صحيح, أن خيار الدولة العلوية يطرح اليوم ك¯"طوق نجاة" للنظام إذا ما انحسر وضاق الخناق عليه.لكن الدولة العلوية قد تصبح مطلباً لغالبية العلويين وأمراً واقعاً كملاذ آمن ليس لأركان النظام فحسب, وإنما للطائفة العلوية من أعمال انتقامية وتصفيات قد تقوم بها مجموعات مسلحة بعد سقوط النظام انتقاماً وثأراً للمجازر التي حصلت في حمص وحماه وادلب وفي مناطق أخرى على أيدي قوات النظام.
    في ما يخص مشروع "الدولة الكردية"في اقليم الجزيرة السورية. يمتد هذا الاقليم, بين نهري الدجلة والفرات, في أقصى الشمال الشرقي لسورية,متاخم للحدود التركية العراقية. يضم محافظة الحسكة ومناطق واسعة من محافظة الرقة وديرالزور.يشكل الأكراد الغالبية في بعض مدنه وبلداته على الشريط الحدودي مع تركيا, أما على مستوى الإقليم ككل فهم لا يشكلون أكثر من ربع سكانه,حيث الغلبة فيه هي للعنصر العربي.لهذا الإقليم أهميته الاقتصادية والتاريخية الخاصة.فمثلما يشكل المصدر الأساسي لأهم الثروات الاقتصادية للبلاد النفط والغاز والزراعة,كذلك هو "موزاييك بشري", ديني وقومي واثني وثقافي ولغوي وقبلي. إذ يمكن للزائر أن يسمع اللغة "السريانية" بلهجاتها الآشورية والآرامية كذلك الكردية والعربية والأرمنية في شارع واحد من شوارع مدنها القامشلي مثلاً.
    حقيقة, الى تاريخه, لم يطالب أي فصيل سياسي أو طرف كردي سوري بانفصال أكراد سورية .نعم, هناك أصوات كردية فردية شاذة تطالب بهذا, لا يمكن الأخذ بها و الوقوف عندها والتأسيس عليها لموقف ما من الحركة الكردية السورية.لكن مع هذا, فإن مجرد رفع سقف المطالب الكردية في هذه المرحلة الى الفيدرالية, تقرير المصير, الحكم الذاتي لما يسميه الأكراد ب¯"كردستان سورية" أو "غرب كردستان" أو "المناطق الكردية", يعتبرها البعض- وأنا منهم- خطوة باتجاه مشروع الدولة الكردية و مطالب تنطوي على "نزعة انفصالية", أو على اقل تقدير مقدمة لاستنساخ تجربة أكراد العراق في سورية,رغم خصوصية وتعقيدات الحالة السورية وتمايز الوضع الكردي السوري عن الوضع الكردي العراقي من حيث العدد والانتشار والتواصل الديمغرافي.ما يعزز هذا الاعتقاد والشكوك, ترافق المطالب السياسية الكردية مع ممارسات وخطوات ميدانية على الأرض. حيث اعلنت أطراف كردية عن نيتها واستعدادها للسيطرة وادارة ما تعتبره أراض أو "مناطق كردية -غربي كردستان" في الجزيرة السورية وعلى طول الشريط الحدودي مع تركيا, إذا ما سقط النظام السوري .حول هذا, نشرت نشرة "كلنا شركاء" الالكترونية, حوارا مع قائد الجيش الخاص لما يسمى ب¯ "كردستان سورية" يقول: " نحن الكرد كقومية لنا الحق بأن يكون لنا جيش يحمي اقليم غرب كردستان. وهدف الجيش الدفاع عن الشعب في حال تم هجوم من قبل النظام الحالي أو هجوم من أي عدو خارجي في المستقبل على سورية أو على اقليم كردستان سورية..". في الاطار ذاته,نشر العديد من وسائل الاعلام تقريراً عن قيام قوات مسعود البرزاني في شمال العراق بفتح "معسكرات تدريب "لمجندين أكراد سوريين انشقوا عن الجيش السوري وفروا الى العراق. ومعلوم أن الجيش الخاص بما يسمى "غرب كردستان", الذي تحدث عنه قائده,يعتبر " الجناح العسكري" لحزب الاتحاد الديمقراطي-الوريث السياسي لحزب العمال الكردستاني- الذي بات وضعه أشبه ب¯"حكومة ظل" في محافظة الحسكة,حيث أجرى انتخابات محلية خاصة به في مدن وبلدات محافظة الجزيرة ضمن مشروع "الإدارة الذاتية" الذي أعلن عنه باسم "حركة المجتمع الديمقراطي في غربي كردستان".اللافت والمثير في ملف هذا الحزبالاتحاد الديمقراطي,أن السلطات السورية تغض النظر عن تحركاته ونشاطاته بعد سنوات من القطيعة معه وملاحقة اعضائه, على أثر تخلي الرئيس الراحل حافظ الأسد عن احتضان زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان, وتمكين تركيا من القبض عليه, وهو يقضي عقوبة بالسجن المؤبد في إحدى الجزر التركية.إن فتح السلطات الساحة السورية أمام هذا الحزب مجدداً وفي هذه المرحلة تحديداً يترك اشارات استفهام كبيرة وتساؤلات مشروعة حول الأهداف الحقيقية للنظام السوري من هذه العلاقة.وإن كانت بعض هذه الأهداف واضحة ومكشوفة, مثل: ارسال رسالة قوية الى حكومة اردوغان في تركيا, التي تحتضن وترعى المعارضات السورية وتقدم الدعم اللوجستي للجيش السوري الحرالمنشق الذي يخوض حرباً مفتوحاً مع الجيش السوري النظامي, وإفهام انقرة بقدرة دمشق على تحريك ورقة أكراد تركيا المقلقة جداً لها.ناهيك عن أن النظام يريد كسب ود أنصار هذا الحزب في سورية أو على الأقل تحييدهم عن التظاهرات المناهضة لحكمه,وادخال الحركة الكردية السورية في دوامة الخلافات والصراعات الداخلية في هذه المرحلة المصيرية. ليس خافياً على كل مهتم بالشأن السوري, بأن مختلف القوى السياسية السورية من غير الكرديةالعربية والاسلامية واليسارية والآشورية والأرمنية والتركمانية,موالاة ومعارضة ,ترفض التعاطي مع القضية الكردية في سورية على أنها قضية "كردستانية", بل جزء من القضية الوطنية السورية العامة. وكان برهان غليون, رئيس المجلس الوطني السوري المعارض, خلال لقاء أجرته معه صحيفة "روداو" الكردية العراقية,قال: " كردستان سورية غير موجودة"واعتبر "الفدرالية للمناطق الكردية عبارة عن وهم" وأكد على أن "تطبيق النموذج العراقي في سورية مستحيل".. بدوره حذر د. أسامة القاضي, عضو المجلس الوطني, في حوار معه أجرته صحيفة إيلاف الإلكترونية,حذر الأخوة الأكراد من استغلال وضع الثورة في تمرير نوايا انفصالية بما سمي "تقرير المصير".فإذا ما تحدى الأخوة الكرد أو بعض قواهم السياسية الفيتو السوري على ما يسمى ب¯"كردستان سورية", وأصروا على استنساخ التجربة الكردية في العراق,عندها سيشكلون تحديا كبيرا لاستقرار ووحدة الكيان السوري وللسلم الأهلي وللمستقبل السياسي لسورية الجديدة .فمن حيث يقصدون أو لا يقصدون سيجرون البلاد وربما المنطقة الى نزاعات عرقية مفتوحة يصعب احتواؤها.لأن أي صراع أو نزاع مسلح على اقليم الجزيرة, أو على غيره من الأراضي السورية المتاخمة للحدود التركية, سيعطي الذريعة والحجة لتركيا للتدخل العسكري واحتلال كامل الشريط الحدودي مع سورية لتضيق الخناق على حزب العمال الكردستاني,بذريعة ضمان أمنها القومي.إذ لا يمكن لتركيا المتحسسة جداً من الملف الكردي أن تتحمل وتقبل بوجود كيان كردي جديد يحيط بها, خاصة إذا كان هذا الكيان يحكمه "حزب العمال الكردستاني" عدوها اللدود والذي يخوض ضدها نضالاً مسلحاً لأجل انفصال واستقلال شرق تركيا ذات الغالبية الكردية.وقد نقلت بعض المصادر بأن رئيس الوزراء التركي أردوغان ومسعود بارزاني في لقائهما الأخير بحثا إمكانيات قيام تركيا ب¯"التدخل العسكري" لإقامة وتأمين منطقة عازلة على الحدود السورية المتاخمة لتركيا.
    لا شك, في النهاية يبقى مستقبل الجزيرة السورية ومصيرها, كمصير باقي الأقاليم والمناطق السورية, مرهون ومتوقف على مسار وتطورات الأزمة الراهنة التي تعصف بسورية.فإذا ما بقيت الأبواب مقفلة أمام الحلول والمعالجات السياسية لها, سيكون البديل مزيدا من العنف الحكومي والعنف الشعبي المضاد.وهذا يعني انزلاق البلاد الى الفتنة والحرب الأهلية والفوضى ودخول الجميع في المجهول القاتل ???.

    -------------

    تنويه: المقال منقول عن صحيفة "السياسة" الكويتية، وإذ يعيد سيريا بوليتيك نشره فهو لا يتبنى محتواه وإنما المقال يعبّر عن رأي كاتبه



مقال سيريا بوليتيك

آراء

تابعونا