يعرف كل نزلاء أقبية الأمن السياسي وسجن حلب المركزي – الجناح الخاص بالأمن السياسي والأمن العسكري – في ثمانينات القرن الماضي " المدعو أبو جمعه " الجلاد المحترف والسجان الخبير " جلاد إيديولوجي " حسب وصفه أحد الرفاق.
ولأبو جمعه حكاية مع أجهزة الأمن السورية بمختلف أموقع: ومنذ مطلع الستينات مع ثورة البعث وخصوصاً مع سلطة الأسد .
له من الأبناء أربع توزعوا حسب رغبة الوالد كل في موقع :
جمعه : أمن دوله .
ربيع : أمن عسكري .
محمد : مستخدم مدني لصالح المخابرات العسكرية .
محمود : مفرغ مدني في شعبة الحزب – منطقة السفيرة التي تعود اليها العائلة .
ولأبو جمعه موقف من مسألة الولاء السياسي بل وحتى الشخصي , فذاكرته الشخصية ماتزال مثقله بالإقطاع الذي تسيد ريف حلب واعتقاده الجازم بالأنعتاق من خلال ثورة البعث في عام 1963 إضافة إلى المكاسب والامتيازات التي نالها شخصياً مع سلطة الأسد .
فالولاء السياسي بالنسبة له يبدأ من الشخصي , وهكذا حدد مصير أبناءه لقناعته الواثقة بأن الأجهزة الأمنية هي العصب الأساسي للنظام وبالتالي لتنفيذ الولاء عبرها حصراً , بعيداً عن المناصب القيادية السياسية أو الأمنية المعرضة للخطر , فهي برأي أبو جمعه معرضة للتشوش بأعمالها التفكر في مسار الأحداث , بينما من موقعه – وأبناءه كذلك فهم بمنأى عن التحليل أو التأويل للقناعات الشخصية فهم أدوات تنفيذية – صماء بكماء – تصلح لكل الأنظمة .
ومع الزلزال الذي ضرب كل شيء في سورية, كل سورية – الثورة السورية 15-1-2013 كانت لأسره أبو جمعه حكاية خاصة أخرى:
أبو جمعه ثابر على ولاءه السياسي – الشخصي للنظام وزاد فيه انتقاله من موقع الجلاد – السجان إلى المواقع التنفيذية المباشرة بتصفية خصومه السياسيين في الشارع مباشرة , بإطلاق النار على كل من تشير إليه القيادة الأمنية – السياسية بوصفه عدواً لها , وزاد من قناعته جحود الكثيرين من المستفيدين للعطايا والمكاسب التي طالتهم في زمن البعث وسلطة الأسد الأب – الابن فحمسته وزادت من ضغينته عليهم !!!!
جمعه الابن البكر : دفعته مسار الأحداث إلى التشكك والريبة فيما يحدث , وهو صاحب التجربة المميزة في العائلة " كونه أعمل فكره " في قراءة الأحداث في ثمانينات القرن الماضي آنذاك , وكانت المحصلة يومها اعتقاله من قبل والده وجره إلى فرع الأمن السياسي حيث تولى والده شخصياً " إعادته إلى جادة الصواب " بطريقته الأمنية الخاصة .
الخلفية الدينية التي ميزت جمعه مبكراً , ولاعتقاده بأن النظام حاد عن طريق الشريعة الحقه – كما يتصور – ولافتقاده إلى مرجعيه شرعية , وجد جمعه نفسه أخيراً " منشقاً " عن النظام , وبطريقة ملتوية ومعقدة كانت صفوف " جبهة النصرة " حاضنته الأخيرة , فصحت فيه نبؤه والده , فأستحق إنكار بنوته على جحوده .
ربيع : كان دائم التباهي " بالقوة " التي منحته إياها انتماءه إلى المخابرات العسكرية – الولد المدلل بين الأجهزة الأمنية للنظام السوري – وجد مع تقدم الأحداث والفساد الأمني الذي هز قناعته لذلك الجهاز وضباطه وحاله الشلل الذي عاب عليها تقدم المواجهات , ملاذه الأخير في " لواء التوحيد " الذي أظهر شجاعة وبأساً وقوة في مواجهه خصومه – أياً كانت الخصوم – نظاماً أم جمهور غير موالي .
محمد : عانى دوماً من وصفه " مستخدم مدني " عقده لم يتخلص منها من دونيته كعنصر غير فعال ومباشر وخصوصاً " عسكرياً " وجد في أحدى الكتائب التابعة " للجيش الحر " كامل الأهلية العسكرية وتام الصلاحية .
محمود : الكثير التباهي " بحنكته السياسية " إلى جانب وظيفته الأمنية , ألهمت خياله المثقل بخلفية " دينية طائفية , قومية عنصرية " بالانشقاق والانضمام إلى كتائب مسلحة تقاتل " أعداء السنه " من الطوائف الأخرى أو أعداء العرب من القوميات الأخرى – الأكراد – حسب قاموسهم السياسي .
وبالمحصلة فرقَ مابين أفراد الأسرة الانتماءات الجديدة :
جبهة النصرة تقاتل النظام, وتتعارض مع الجيش الحر " الكافر والغير ملتزم دينياً " والجيش الحر يعتبر البعض من الكتائب – التي تمارس سلوكاً طائفياً أم عنصرياً – خطراً على وحده الوطن.. والكثير الكثير من التفاصيل الخلافية .
لكن ما جمعهم ربما أكثر بكثير !!
فما زالت أسرة أبو جمعه تمارس العنف – القتل – ورفض أو تكفير خصومها السياسيين بنفس العقلية التي مارسوها في صلب النظام حيث نشأوا وتدربوا على عقلية العنف والإقصاء كأدوات تنفيذية صماء بكماء , وزادوا عليها " صبغة شرعية أو ثورية " لايتسرب الشك إليها وتمنح الحصانة والوجاهة المزعومة .
لكن المفارقة في كل ذلك هو إجماعهم – كما في ذات يوم – على عدائهم لي واستحقاقي للاعتقال والجلد والتعذيب بل وأحقيه قتلي , ولكل أسبابه :
أبو جمعه – النظام – يعتبرني عصابة مسلحة وعدواً للشعب والوطن أستحق الموت والموت فقط !! كوني أطالب بإسقاطه .
جمعه – جبهة النصرة – يعتبرني كافراً ولحداً كوني لا أوافق معه على سورية " دولة الخلافة الإسلامية " بشريعته الخاصة .
ربيع – لواء التوحيد – ينظر إلى سلبيتي تجاه مشروعه السياسي , خيانة للوطن والمواطن , أستحق الموت عليها بجدارة .
محمد – كتائب الجيش الحر – يعتبر حيادي في الصراع " المفترض " ثم كوني أنتمي إلى طائفة غير معنية بالثورة السورية – حسب زعمه – أم لانتمائي العرقي المشكوك به – على طول الخط لديه – أسباب كافية أن يكون وجودي في الوطن " أرض الجهاد والرباط " محدداً بالشرط السابق ذكره .
أمثالي كثيرين – الوطن بعمومه – وأمثال أبو جمعه وأسرته أيضاً كثيرون ومتفوقون بالسلاح الذي لا أؤمن به ولا أجد له أيه شرعية بين أبناء الوطن الواحد أياً كان مصدره .
أؤمن بوطن ديمقراطي ..... ويؤمنون بدولة ديكتاتورية استبدادية أم شرعية !!!
أؤمن بالنضال المدني السلمي ..... ويؤمنون بالسلاح , أي سلاح كان !!!!!
أؤمن بوطن يشتمل على مواطنين ..... ويؤمنون برعايا أو عبيد !!!!
ألهم أشهد ... الهم إني بلغت !!
-------------
المقالات تعبّر عن آراء كتابها وليس الموقع