آراء

  • طرة أو نقش

    16 يناير 2013 - 11:44 م : د.محمد عبدالله الأحمد
  • في نفس الوقت الذي صار فيه أحد البرامج التلفزيونية خلال عقد من الزمن ميالاً للزعق و منع العقل المشاهد من الانتقاء العاقل بين تفكيرين ، و جره إلى اختصار كل دماغه في لعبة (طرة أو نقش) كانت المسألة المتعلقة بتنمية التفكير تمشي على التوازي بنفس الخط و ذلك بسبب رفع وتيرة الغرائز المريضة و الاضطهاد السياسي و الاقتصادي و حتى الاجتماعي في جزئيه العام و الخاص عندنا .
    كانت الدولة و هي المنوط بها و فيها أمر الناشئة و الأجيال الجديدة تمارس العزوف الأحمق عن دورها في هذا الأمر و تعطي للمؤسسات الدينية أهمية كبرى في ضبط المجتمع و جعله يسير على الطريق الذي تراه مناسباً و تدير ظهرها بقصد للحياة المدنية و السياسية الداخلية لاجمة كل محاولة فردية أو جماعية علمانية لتحقيق أي انجاز على هذا الصعيد و هي لا تدرك بأن مشكلة الاعتماد على المؤسسات الدينية تتلخص أكبرها بأن ممثلي الأديان مهما التقوا أثناء المناسبات و التقطت لهم الصور مع الابتسامات الجميلات يمثلون اختلافاً مجتمعياً قد ينقلب ضد المواطنة يوماً ما و أن تربية المجتمع على الأساس المواطني الذي لا يعقد فرقاً بين المواطنين على أي أساس و إقامة مبدأ الحق و العدل في المجتمع هو الذي يرص الصفوف و يجعل الشعب كله يدافع عن البلاد عند التربص بها .
    مبدأ الطرة و النقش إذن الذي صار أسلوبا في غرائزيا في السلوك بحيث أن وسائل الإعلام المعولمة و كسل الدولة الفاضح و ترك الأمر لرجال الدين صار مصيبة فأهم ما يستطيعه عقل الإنسان هو انتقاء ما يصلح و ما لا يصلح حتى و لو وجد ما يصلح منتجاً فكرياً أو مدنياً من عدوه أحياناً .. لقد صار على العقل العربي أن يقرر هل الغرب أو القضية الفلسطينية أو القومية العربية أو المسلسلات التركية أو ياسر عرفات أو الاشتراكية أو الأزمة المالية العالمية (الخ) أن يقرر بمبدأ الطرة و النقش هل هذه الأشياء جيدة أو سيئة فاعلة أو مشلولة ..الخ !! فغاب عنه حكم القيمة الموضوعي لكل هذه المفاهيم أو غييب عنه ! .
    في هذا الإطار لا أستطيع أن أرى السلطة (النظام أو الحكم) في سورية بمبدأ الطرة و النقش أي سيء أو جيد ... فهو يمثل حقبة تاريخية امتلأت بالأخطاء و بالايجابيات أيضاً فلماذا نؤجر عقولنا و نبخس فكرنا بشكل غرائزي ، ففي الوقت الذي مارست فيه المؤسسة الأمنية أسوأ الممارسات في البلاد و منعت الحياة السياسية في نفس هذا الوقت نعمت سورية بأمان حسدت عليه و حققت نهضة ريفية رائدة و خرجت مئات الآلاف من الكوادر الجامعية نصفهم على الأقل ممن يعتد بعمله و علمه .
    اليوم ربما يقول البعض أصبح هذا الكلام متأخراً عن الحدث و لكنني أريد أن أشعل الضوء الأحمر منذراً الجميع فأنا متأكد من أن السوريين سيجلسون على الطاولة لبناء بلد جديد و هذا حتمي بسبب حتمية استمرار الحياة و كون ما يحصل طارئ علينا و الغالبية العظمى تريد حياة مسالمة كريمة مع الجميع .. لننتبه أن الليبرالية السياسية تليها ليبرالية اقتصادية و الليبرالية السياسية تسيل لعاب الجميع من حيث كون الحرية قيمة مقدسة و لكن لايجب أن يكون التحول الذي سيجري في سورية على حساب الفقراء و الطبقات المهمشة فديدن التغيير – مابعد سقوط الشيوعية – هو الليبرالية و الحياة الحزبية و الإعلام الحر و ...هكذا إلى ماشاء الله و لكن هل سيعني هذا سوقاً حرة تجعل السوريين يشترون الخبز و الوقود و أهم أساسيات الحياة بأسعار البورصات العالمية .. عندها انتظروا هدماً لأي عقد وطني نعقده من أجل غد أفضل و من أجل انتهاء المحنة و عودة المحنة !!.. فالمصيبة عند وقوع المحن هي أن الكل يفكر بإنهاء الدم بأي أسلوب و أية طريقة .. لذلك نحن بحاجة ماسة للعقول الهادئة بعيدة النظر التي تعرف كيف تأخذ العبرة من تجارب الشعوب .
    لا طرة و لا نقش هي إذن مصيبة في التفكير أدت إلى حرب بينهما و الأصح هو انتقاء الجيد و لفظ السيئ في سورية الجديدة التي نريدها جميعاً و إذا رأينا في الآخر ايجابياته سيساعدنا هذا في احترامه كشريك وطني و هذا النوع من التفكير هو وحده الذي سيتمكن من انقاذ البلاد .. أي لا ترى في الآخر كتلة قاتمة من السوء (نقش) و ليس من حقه أن يرى فيك كتلة قاتمة من السوء (طرة) .
    ---------------

    المقالات تعبر عن آراء كتابها وليس الموقع



مقال سيريا بوليتيك

أكثر الأخبار قراءة

آراء

  • رؤية في الحل

    بقلم : د.محمد عبدالله الأحمد
    التفاصيل
  • دوافع وأهداف العدوان الإسرائيلي على مركز البحوث في جمرايا

    بقلم : محمود جديد
    التفاصيل
  • العنف والمثقفون في سوريا: بين أوهام التلفيق البهيجة وحقائق التاريخ الفاجعة

    بقلم : محمد حيان السمان
    التفاصيل
تابعونا