تتبدا أمام عقلي و أنا ألاحظ الكارثة الوطنية الكبرى في بلدي مشاهد متعددة لعدد من (الطائرات المخطوفة ) في سورية ، ففي البلد أسر حقيقي للعقل أولاً و أسر للنفوس عدا الأسر الجسدي (الخطف) الذي يعتبر أشد من القتل في كثير من الأحيان . فعدا عن أن ثقافة الخوف علمتنا أن نتعامل مع ذواتنا بخوف و أن نصبح رقباء عليها حتى من التفكير و لذلك أجرنا عقولنا لأفكار ينقصها النقد و الابداع و الابتكار فكيف اذا اسقطنا كل هذا على السياسة و المجتمع ، عندها تكون المحصلة النهائية هي اضاعة كل شيء انتجناه برغم خوفنا خلال أشهر و كل هذا بسبب مجتمع الخوف و تربص الآخرين بنا لزيادة مصيبتنا حين وقعت المحنة الوطنية التي نعيشها عدا عن كل هذا فان زيادة جرعة الارهاب و التخويف منذ بداية الأحداث الدموية بجز الرقاب و القتل الشنيع و الاغتصاب حتى للرجال كل هذا كان هدفه تأكيد من الخاطفين على كل الرهائن (المجتمع السوري) بأن ينفذ الرغبات و إلا !!؟ ....
و هكذا خطف ربع المجتمع ثلاثة أرباعه و زاد في الطنبور قبحاً مجيء التنظيمات الارهابية التكفيرية تنفيذاً لسياسات (الأرض الواطئة) حيث تجري اليها سيول من أرادوا الموت استعجالاً (للجنة) فتتحقق بذلك سياسات الغرب بأن تصبح المعارك بين المسلمين لقتلوا بعضهم بعضاً .
و اذا حاولنا تشريح عمليات الخطف و تعدادها بقدر المستطاع نلاحظ أن
معسكر المؤيدين طائرة مخطوفة لأنه ليس باستطاعة عاقل أن ينكر الخوف الذي يعتمل في نفوس و عقول الكثيرين ممن عملوا و يعملوا مع الدولة من جزء من المشروع القادم الذي أظهر نفسه و كأنه (اله الحساب العسير ) وقد جاء بعقل ثأري لكي يفتش في الماضي القريب و أحياناً في الماضيات المريضات السحيقات و نعني (الطائفية الخبيثة ) و لقد استفاد الفاسدون من هذا المشهد كثيراً فصار (الأوادم) في معسكر المؤيدين حلفاء طبيعيين للفاسدين فيه بسبب الخوف ! ... حتى لا نتكلم عن أي شخص يفكر و لو للحظة بأن يتحدث بصوت عال بطريقة مختلفة فيعاجله (أبو الجماجم و أبو الهول ) من أبطال الشوارع بالتلويح بالهلاك المحتم فيصنع الخوف و الرعب من الجهتين مشهد الطائرة المخطوفة .
ومعسكر المعارضة هو أيضاً طائرة مخطوفة من (المال و الاعلام الخليجي ) و كذلك من أولئك المصرين على كونهم جنود الله و رجاله و كل من لا ينصاع لكلام الاله كما يفهمونه هم ، مصيره الهلاك المحتم أيضاً ...
و لقد أقام هؤلاء محاكم و منفذيات اعدام علنية في الساحات العامة فتحولت أغلبية كبيرة من السكان الى رهائن هي بدورها في الطائرة المخطوفة الثانية .
من اذن ليس رهينة في طائرة مخطوفة ؟
و هل يحق لعقلاء الشعب السوري في هذه الاوقات الخطيرة أن يقبلوا البقاء رهائن للخاطفين ؟
لقد تميزت هيئة التنسيق الوطنية - و لست منها - في نضالها منذ بداية الاحداث و لم تخضع لابتزاز أي خطاف أو آسر لا ترغيباً و لا ترهيباً ... و لكنها أسيرة نوع آخر من الخطف ، انها أسيرة الاعتقاد بأن فكرة القيادة و الزعامة التاريخية هي فكرة تحتكرها أنظمة الحزب الواحد فقط و ستالينيات القرن العشرين و كل قيادات هيئة التنسيق التي عملت و ضحت غابت عنها موضوعة أساسية و هي أن الحال الوطنية السورية اليوم تشبه جمهوراً كبيراً من الناس بدون رأس يدلها على الدرب و الطريق و كاني بها تخشى من هذا الفعل حتى لا تتهم باعادة انتاج .... الزعيم التاريخي !
في تجارب الشعوب الاكثر ديموقراطية زعماء تاريخيون لم يعتقلوا الحرية و لا الديموقراطية بل كان دورهم كأفراد أساسي في تكريسها و تفعيلها و هذا ديغول واحد من هؤلاء و هذا نهرو و غاندي و لم لا نتحدث عن معاصر كثير الاحترام هو لولا داسيلفا البرازيلي الذي تحول من مجرد رئيس الى زعيم وطني لأنه قدم الأمثولة و من أهم ما فعل هو التحول الى رئيس سابق يعيش بين الناس كواحد منهم و بقي زعيماً محبوباً ...
ان طبيعة شعوبنا تحب القائد النقي و القريب من نفسها و من همومها فلماذا و سأذهب الى صراحة مباشرة ، لماذا هذا العزوف عن الصعود الى منبر (الحياة) و قبول التحدي الكبير بممارسة الخطاب الوطني المباشر يا دكتور هيثم مناع كقائد وطني له مريدوه و محبوه و إحدى أكبر مشكلاته التشويش على ما يريد قوله من قبل الاخوان المسلمين تحديداً ومن طرفه عدم تقديم منظومة تفكير متكاملة بلغة بسيطة يحبها الناس و يفهمونها ... لم التأخر في ذلك ؟
هل المهنة هي السبب ؟ أقصد طبيعة المهنة ؟
هل الشخصية هي السبب ؟
هل هو التواضع في غير مكانه ؟
هل هي الخشية مما مضى فلا نقلده ؟
لا أعلم بالضبط و قد تكون كلها معاً الا أنني قادم من داخل البلاد و أعيش هناك مع الناس و اعرف ماذا تريد الناس ... ان حركة الجماهير أثناء حالات الفوضى الكبرى تشبه حركة الطلبة الغوغائية قبل دخول المدرس فاذا كان المدرس متمكناً من علمه كانت النتائج محترمة .
عاشت سوريا
د.محمد عبدالله الأحمد
---------------------
المقالات تعبر عن رأي كتابها وليس الموقع