آراء

  • الأزمة الوطنية الشاملة تدمر كل شيء في طريقها..حزبنا (حزب العمل الشيوعي في قلب الأزمة): قراءة وموقف

    09 أغسطس 2012 - 12:37 PM : فاتح جاموس
  • مدخل(تنظيم سياسة- سياسة تنظيم؟!):هي مرات قليلة ونادرة من تاريخ وجودي وعلاقتي بحزبنا (حزب العمل الشيوعي)،التي شعرت خلالها بقلق عميق وخوف على تجربتنا الحزبية،وذلك من أن تدمّر أو تموت بطريقة أو بأخرى،تحت ضغط القمع السلطوي المتواصل،المتصاعد حدة وشمولا،أو تحت تأثير مسؤوليتنا(أعني الطواقم القيادية) في عدم التقاط الجدل الصحيح في الرد على نهج وممارسات السلطة القمعية وقرارها بتصفية الحزب من جهة،وقصور نهجنا،وخططنا،وممارساتنا،وقضية تطوير قدراتنا على التكيف من جهة أخرى،أو المسؤولية العالية جدا للطواقم نفسها في التدمير الذاتي،أو التماوت لأسباب تتعلق بعدم استيعاب الجدل الصحيح أيضا لعلاقة الميدان التنظيمي بالميدان السياسي،والتضحية بالذات لقناعة تفيد أن الحزب الثوري هو أداة لتنفيذ أهداف سياسية ثورية،بحيث تجب المحافظة دائما على الروح والمواقف الثورية دون مهادنة أو مساومة،أو من خلال ضعف طاقم قيادي وغياب محصلة وعي عنه،في شروط أو مرحلة معينة،تجعله يفشل في الأداء المناسب والصحيح،والقصة بمجملها تتعلق أساسا بشروط العمل السياسي ومواجهة نظام استثنائي ديكتاتوري قمعي،حاول بدون أي غفلة أو استرخاء تدميرنا تنظيميا بالقمع،وقطع أي إمكانية علينا ببناء جسور إلى المجتمع والتحول إلى قوة لديها الحد الأدنى من الأسس التي تسمح لها بالعمل مجددا في شروط مناسبة والتحول إلى حالة شعبية فعالة وعميقة،وخبرتنا معه تفيد أنه ركز على التدمير التنظيمي لقناعته باستحالة الأمر على الصعيد المنهجي والسياسي وكذلك الأسس والقيم التربوية والنضالية التي كوّنا تنظيمنا بها،وتابعنا مسارها،ووصل ذلك الوعي الخاص بي حدود القناعة العميقة أن التنظيم ،وحمايته بالمحافظة الدائمة إن أمكن على الحد الأدنى من وجود مؤسسات وصيغ تنظيمية،وأشكال تكيفية تخرج عن المعهود الكلاسيكي،والعمل على حماية الطاقات البشرية،كل ذلك من أجل اللحظات المناسبة،بالإضافة لضرورة إيجاد أشكال تنظيمية حمائية مختلفة عن شكليات النظام الداخلي،وحماية التعايش التنظيمي في ظل وجود خلافات سياسية واسعة،ويمكنني التأكيد أن القضية بالنسبة لي تمثلت أساسا باعتبارالتنظيم هدفاً دائماً بحد ذاته،وذلك ليتمكن من أن يكون أداة لتحقيق الهدف السياسي والنضالي،وبدون العناية والاهتمام ومتابعة وجود المؤسسات الضرورية وحمايتها،واستمرار الحوار الداخلي،والامتناع عن "سخافات" وضيق أفق منطق الشكلانية التنظيمية،سخافات وضيق أفق المنطق العقابي والعزلي من قبل أي مجموعة تعتقد أنها أكثرية أو أغلبية،خاصة في الظروف الصعبة،والأزمات الوطنية العامة،أو الأزمات التنظيمية(وضيق الحال)وضرورة التجدد والحوار مع المجتمع وإعادة انتاج ذاتنا لتحقيق إعادة إنتاج ضرورات العمل السياسي،بدون كل ذلك  سنكون بأنفسنا مسؤولين عن تدمير ذاتنا،ومن المؤسف أن طواقم قيادية عدة،وأفراد قياديين،قد اندفعوا في مرات كثيرة إلى تلك الممارسات والمسؤولية في ذلك،مع معرفتنا الممتازة على الصعيد النظري الفكري التاريخي،والصعيد السياسي،والممارسة ،معرفتنا بالنظم الاستثنائية،ونظامنا السوري بالذات.
    وكي لا يُفهم الأمر ببعض جوانبه بصورة منقوصة أو خاطئة،أؤكد أنه نادرا ما تقوم عمليات حماية التنظيم من خلال خطوات تنظيمية صرفة،للمسألة على الأغلب إن لم أقل دائما وجه سياسي بحدود ما،فهناك فرق هائل وحدود كبرى بين المبدئية والثبات أو الاستقرار الاستراتيجي من جهة،الانتهازية والميوعة التكتيكية من جهة أخرى،بين التكتيك الصائب وضرورة تغيير المواقف وإعادة إنتاج المفاهيم على ضوء الوقائع من جهة،والجمود العقائدي والموقف الثوري اللفظي من جهة أخرى،وأتذكر الآن أنني كنت من أكثر الرفاق سعيا جديا لتحقيق ذلك الجدل،مع كامل اعتباري العالي لأهمية المسألة التنظيمية،وأن التنظيم هدف بحد ذاته في ظل نظم الاستثناء،وأعرف أن الماركسية النظرية والعملية قد وصلت في بعض التجارب حدود حل التنظيم،والتوقف عن أي نشاط سياسي باسمه،والذوبان في تنظيمات السلطة،وذلك في حالات مواجهة نظم فاشية من طراز خاص،كل ذلك بغاية حماية الطاقات البشرية،وإعادة تنظيمها وإطلاقها في شروط أخرى،أتذكر أنني تقدمت بوجهات نظر عديدة جادة في إطار فهمي لذلك الجدل منها مثلا:التكتيك المطلوب بعد إطلاق السراح الواسع لرفاقنا في \4شباط 1980\،أومشروع تشكيل جبهة كفاحية مسلحة وعمليات ضد الكيان الصهيوني في مؤتمرنا\تموز 1981\أبقيادة الحزب،أو مشروع التكتيك المناسب للانكشاف الأمني بعد المؤتمر،أوخطة العمل والتكتيكات التنظيمية والسياسية المناسبة لاحتمالات قيام ومواجهة أزمة شاملة،صيف وخريف عام\1984\ ما سمي بمبادرة الحد الأدنى والأقصى،بمادة مهربة من السجن،أو ضرورة إصدار قرار من الحزب في الخارج يسمح بتوقيع تعهدات وتصاريح من قبل من يريد من رفاقنا المعتقلين،وحمايته سياسيا وشخصيا للحظة مستقبلية أخرى،بمادة مهربة من السجن،ثم ضرورة استصدار قرار من الحزب في الخارج،أو قيادته داخل المعتقل،والسماح للجميع بتوقيع تعهدات وتصاريح ما عدا رفيقين قياديين بمنع ذلك عنهما(أنا واحد منهما) وذلك بعد استفحال الأزمات داخل المعتقل،واستفحال الخسائر والتأثيرات الخطرة جدا لشروط المعتقل،وشروط الجزر السياسي والطبقي عالميا ومحليا،أيضا بمادة مهربة من المعتقل،وأخرى مهربة لتغيير موقفنا الاستراتيجي في مسألة الحلقة الضعيفة ومركز الثورة في النضال الفلسطيني،وانتقاله إلى داخل الأرض المحتلة بعد انتفاضة خريف عام \1987\،أو الموقف المطلوب من تقديمنا للمحكمة بداية عام \1992\بمادة مهربة من السجن،ثم عدة مواد ومشاريع نظرية وسياسية وتنظيمية لإعادة العمل الحزبي المتوقف من زمن طويل وذلك فور إطلاق سراحي\أيار 2000\ثم مشاريع عديدة في اجتماعات الهيئة المركزية بعد انطلاق العمل مجددا،بشكل خاص أيضا الحماس لمشروع تجمع اليسار الماركسي وإعطائه الأهمية الأولى بين خياري استنهاض تجربتنا الخاصة أو خيار توحيد الشيوعيين والماركسيين،ومشاريع عدة من أجل المراجعة الشاملة استعدادا لمؤتمر عام،والغالبية الكاسحة من هذه المواد وغيرها موجود بالتغاضي عن تحولها أو عدمه لتكون وجهة نظر الأكثرية في الشروط واللحظات التي صيغت بها.
    حصل وتلبسني مثل ذلك القلق العميق والخوف على تجربتنا في نهاية آذار 1977،بعدما وصلتنا أخبار أول حملة اعتقالات واسعة تعرّض لها التنظيم من قبل السلطة،كنا في حينه ثلاثة رفاق(عباس عباس،وهيثم العودات،وفاتح) في جلسة حوارمع"الحكيم جورج"في غرفة عمليات الجبهة في بيروت.كما حصل بعد أكثر من عامين \نهاية عام 79\بقليل ونحن نتابع الأخبار المهرّبة لنا من السجون حيث أعداد كبيرة من الرفاق معتقلين وقد اختلفوا بشدة على التكتيك المطلوب تجاه الصراع بين النظام والحركة الدينية المتطرفة والعنيفة،بينما كان الوضع التنظيمي والأمني في الخارج ضعيفا مهددا بالخطر،والأجهزة الأمنية تمارس ضغوطها لإطلاق سراح واسع مشروط بتوقيع تعهدات وتصاريح تخالف نهج وقرارات وسياسات التنظيم،وحصل مباشرة بعد المؤتمر الأول \تموز1981\ لأسباب أمنية وانكشاف عدد كبير من الرفاق،والخلاف الداخلي المتعلق بسبل معالجة ذلك ودرء خسائر ومخاطر كبيرة محتملة بشدة.وحصل في الزنزانة رقم \52\ في فرع التحقيق العسكري بدمشق،منتصف صيف \1984\ بعد تداول وحوار حول أوضاع الحزب ومؤشرات حياته بالكامل،مع رفيق قيادي آخر شاركته الزنزانة واعتقل بعدي بأكثر من عامين،وانتابني ذلك القلق والخوف بتكرر الاعتقالات،واستمرار المواقف الخاطئة لقيادة الحزب داخل وخارج المعتقل،تحديدا بعد حملة اعتقالات \1987\،ثم مع تقديمنا لمحكمة أمن الدولة وتوقف العمل التنظيمي في الخارج(امتد هذا لفترة عشر سنوات) وأكثر ما انتابني هذا القلق والخوف من بعد إطلاق سراحي هو في السنوات الأربعة الأخيرة،وبصورة خاصة جدا بعد انطلاق الحراك الشعبي في سوريا\18 آذار 2011\ وحتى الآن،وتتعلق الأسباب بالوقائع التنظيمية والسياسية التي تراكمت بإصرار،والدور السلبي الكبير لمجموع الطاقم القيادي(وأنا داخله)الذي أدار كل ذلك،فما هي تلك الوقائع،وما هي الأسباب الفعلية والعميقة لحصولها وتراكمها؟!
    استدراك: أقدر أن ما سأقوله سيكون صادما لكثيرين،سيكون خطرا وسلبيا بتأثيره،وربما محبطِاً مقارنة بالانطباعات الإيجابية عن تجربة غنية بتقاليدها التنظيمية،ريادية وسباقة في معرفة الحقائق وتعميمها واعتمادها في اشتقاق المواقف الصحيحة،وفي ممارسة النقد تجاه أي طرف يستحقه،بعيدا عن أي سلوك انتهازي،أو استبطاني،ما سأقوله سبق وقلته جميعه بدءا من لحظات ظهوره الهامة حتى بصورة أولية،ذلك داخل الأوساط والهيئات الحزبية بحدود وجودها الفعلي،ومن الطبيعي أن ذلك كان بصورة غير علنية،إلا ما وقع منه بأيدي الأجهزة الأمنية(مشاريع وتقارير إلى اجتماعات المكتب السياسي أوالهيئة المركزية في أوقات وجودها وعملها الحقيقي) خاصة مع اعتقالات الرفاق الخمسة في أيار\2009\.والآن يصبح علنياً لأنني أجبرت عليه،متمنيا أن يكون،أو أن يشكل أساسا ومنطلقا جديدا في معرفة وضع تجربتنا واليسار عموما،والإنطلاق إلى مراجعة جديدة شاملة،ومشروع ثوري جديد،نحاول فيه تجاوز التأثيرات الخطرة جدا للأزمة الوطنية القائمة في الوطن السوري،والاحتمالات الكبيرة لإنزلاقها إلى الحرب الأهلية،والتدخل الخارجي الاحتلالي،والمهمات التي قامت أوستترتب على ذلك.
    في الوقائع التنظيمية:
      أولا: (الهيئة المركزية)سأناقش باهتمام عالٍ وتركيز ما يتعلق بالهيئة المركزية،ومن مختلف الجوانب الأساسية،بالتفاعل مع الشروط،والمقارنة التاريخية،ووجهات النظر حول ذلك،لأن هذه القضية مركزية فعلا وأساسية في أهميتها،تركت تأثيراتها السلبية في كل الميادين،وسنلحظ أن بقية الحلقات جاءت على الأغلب الأعم كتحصيل حاصل لها.
    على مدى أكثر من ثلاث سنوات،إن لم نقل أربعة فعلياً،دَعَوْنا وعقدنا اجتماعا يتيما واحدا،بفعالية ضعيفة جدا،إذ تغيّب عدد كبير من رفاق الهيئة المركزية بسبب الحذر الأمني والاعتبارات الشخصية وذلك على إثر اعتقال خمسة رفاق في\أيّار 2009\،وكان المدهش والمخيف في الأمر أننا بشكل خاص لم ندعُ ولم نعقدْ أي اجتماع للهيئة المركزية من لحظة انطلاق الحراك الشعبي في سوريا وحتى الآن،أي على مدى أكثر من ستة عشر شهراً،على الرغم من إطلاق سراح الرفاق الخمسة والتراجع الكبير في الشروط الأمنية الضاغطة،وخروج كل الرفاق الذين عنيتهم بكلامي من حالة الحسابات أو الخوف والحذر الأمني،بل انتقال قسم كبير منهم إلى وضعية الحماس والاندفاع إلى المواقف السياسية والتكتيكات الراديكالية والمتطرفة،وكثرت مشاركاتهم في اجتماعات المكتب السياسي،يحملون مشاريع معبرة عن ذلك،ويمارسون ضغوطا مختلفة لتحويلها إلى مواقف "رسمية" للحزب،وعلى الرغم من توفر كل الشروط المناسبة لعقد اجتماعات عديدة ومتكررة للهيئة المركزية،فإن ذلك لم يتحقق.
    ولمعرفة خطورة الآثار التي ترتبت على النهج والموقف ومسؤولية طاقم المكتب السياسي في ذلك،أكثف أهمية الهيئة المركزية في حياة حزب العمل الشيوعي،وحياة أي حزب جاد،فهي الهيئة التشريعية بين مؤتمرين،المنوط بها وضع الاستراتيجيا والخطط والبرنامج والتكتيكات،السياسية والتنظيمية،وإقرار التحالفات،بالإضافة إلى الأسس الفكرية والنظرية،والمنوط بها،اختيار الهيئات التنفيذية الأخرى،ومراقبتها،ومحاسبتها،وإعطائها شرعية الوجود والتجدد،بإعادة انتخابها في كل اجتماع إذا تطلب الأمر ذلك.وفي الوقت الذي لم نستطع فيه عقد مؤتمر مركزي وإجراء مراجعة شاملة(بالتغاضي الآن عن الأسباب ومسؤولية الطاقم القيادي)فإن أهمية الهيئة المركزية تصبح أعلى بكثير في حياتنا الحزبية،وأتذكر الآن أنه لم تمر فترة واحدة مشابهة في تاريخ تجربتنا الحزبية،باستثناء الفترة التي أجبرنا فيها القمع السلطوي ووقائع الخسارات التنظيمية في السجون على الصمت التام لفترة تجاوزت السنوات العشر،ماعدا ذلك كنا نعمل دائماً على استكمال الهيئة التشريعية،ونعمل على عقد اجتماعاتها حتى في الشروط القاسية جدا،والتي تستحيل مقارنتها بسهولة الشروط الجديدة،وسماحها بتحقيق الكثير جدا مقارنة بالماضي.
    من أجل الحقيقة وضرورة معرفة تطورات نهجنا وممارساتنا ومسؤولياتنا،أذكر أن أول ما فعلناه مع إعادة استنهاض العمل الحزبي بعد إطلاق سراحي،ثم التعاون والاشتراك الذي تحقق مع عدد قليل من الرفاق هو:العرض والطلب من كل رفيق مركزية سابق أن يعود ليمارس حقوقه وواجباته بعودته مباشرة كعضو هيئة مركزية،بالتغاضي تماما عن مجموع الخلافات السياسية والفكرية والتنظيمية السابقة،وذلك من أجل تحقيق غايتين أساسيتين:أولاهما رفع سوية التماسك التنظيمي والسياسي والشرعية التاريخية بجماعية المسؤولية،وثانيهما:جمع ذلك العدد الكبير في ظل شروط جديدة مختلفة في الكثير من النواحي،وشبه علنية،مما سيخلق تفاعلا كبيرا،ونتاجا متطورا،كل ذلك على العكس من حالة العدد الضيق.وعندما فشلنا في ذلك لأسباب كثيرة تتعلق جوهريا بعمق خلافاتنا،والحدود الكبيرة لفروق المراجعات،وقيام خيارات وحسابات شخصية،بدا أنه من المستحيل التخلي عنها،وسويات الدمار الشديدة التي تسبب بها (المعتقل)،وربما أيضا تربيتنا الديموقراطية العالية:كل هذه الأسباب ساهمت في خلق حالة من عدم التماسك السلبية والسيئة في أوساط الطواقم القيادية،ومضي كل حالة إلى خياراتها الجزئية الخاصة،على الرغم من أنها كانت تسمح بالعمل المشترك،ويمثل هذا مهما كانت الأسباب،ضعفا شديدا ووعيا متراجعا،ومثلا سيئا في تحمل المسؤولية تجاه التجربة.
    وعلى الرغم من الصعوبات الكبيرة التي واجهتنا ونحن نحاول استنهاض عملنا التنظيمي،بعد توقف عشر سنوات أو أكثر،فإننا وضعنا أسس تشكيل المركزية وتوسيعها في الشروط الجديدة،وارتفع عددها خلال زمن قصير إلى حوالي أربعين رفيقا،تتزايد أو تتناقص قليلا،مارست اجتماعاتها الدورية،والاستثنائية عند الضرورة،وقامت بكل وظائفها المعهودة،بما فيها قبول وإدارة قضية وجود وجهات نظر مخالفة معروفة لنا سلفا،واستمر ذلك أكثر من ثلاث سنوات،حتى أواسط ونهاية عام\2006\ حيث بدأ وضع المركزية بالتراجع،ونهج التعاطي معها في هيئة المكتب السياسي بالتغير،ترافق ذلك بشكل خاص مع الاجتياح "الاسرائيلي" للبنان والأداء السياسي للحزب تجاهه،كذلك قضايا سياسية أخرى،وموضوع الموقف من إعلان دمشق.وفي تلك السنوات الثلاث من عمل الهيئة التشريعية حققنا أفضل نشاط سياسي وتنظيمي،أفضل تقسيم عمل مؤسساتي حزبي،أفضل عملية مراقبة وضبط وتطوير،أفضل وتائر في إصدار جريدتنا المركزية،وأفضل مؤشرات تزايد تنظيمي ونفوذ سياسي..
    في نقاشات هيئة المكتب السياسي حول أسباب ذلك وغيره من الآثار التنظيمية السلبية في عناوين وتفاصيل أخرى،وكذلك في الميدان السياسي تبلورت آراء خلافية أعتقد أن أكثرها لم يكن ناضجاً،بل متقلباً ومتناقضا،بدوافع استقطابية وتبريرية في العديد من الأحيان،وغريبة أيضا عن وعينا ومفاهيمنا وممارساتنا الديموقراطية في حقل التنظيم،وأعتقد أيضا أنها في بعضها الأساسي كان ولا يزال تحت تأثير ضغط مرحلة العمل السري الطويلة وقوانينها،أي وجود عطالة قديمة كبيرة جدا حافظت على حالة غياب التكيف المطلوب في الشروط الجديدة.
    أحد الآراء التي بدأت بالتبلور والاستمرار على تأكيد الحالة المتعلقة بالوضع التنظيمي والسياسي انطلقت واعتمدت منطق إعادة الأسباب إلى النهج والطريقة والمعايير التي أطلقنا بها عملية الاستنهاض التنظيمي،ومحاولة التمييز بين مرحلة قديمة وأخرى جديدة،واعتبار النهج والوسائل والمعايير القديمة خاطئة وهي المسؤولة عن الأسباب،إذ اعتبرت رخوة،هشة،لا تحدد بدقة من هو الرفيق من غير الرفيق،لاتحدد الواجبات والحقوق بدقة،لا تقيم الأمر على أسس"كفاحية عالية"!،إذ تعتمد الشروط الخاصة للرفيق وإرادته وقراره الذاتي أساس وجوده الرفاقي،التنظيم أو الحزب هو الذي سيكيف نفسه مع شروط حياة الرفيق،بعكس الصيغة القديمة التي كان جوهرها تكيف الرفيق مع شروط حياة الحزب.
    ما قيل قبل قليل عن النهج والمعايير المتعلقة بالاستنهاض في بدايته هو صحيح بمقاربة عالية،على الرغم من أن البعض يسوقه بوعي كامل من أجل تحميلي شخصيا مسؤولية هذا الأمر ونتائجه كما يطرح من جهتهم،لكن يجب متابعة مسألة الوقائع في هذا الخصوص وأن أذكر بعضها الأكثر أهمية على الأقل:
    - يجب أن أقول:بالتأكيد تشكل مجموعة أسس ونهج الإنطلاق في عملية الاستنهاض قناعات عميقة بالنسبة لي،وتعبت عليها حقا عبر زمن غير قصير،وأي تفصيل فيها،أتى بأثرسلبي أو إيجابي،أتحمل بعضا من المسؤولية فيه،تكبر أو تصغر بحسب الحالة،لكن كنت حريصا جدا على وضع أسس والعمل بنهج متفق عليه مع الفريق الرفاقي المشترك،أو الطاقم القيادي الذي سيدير العملية وتطوراتها.
    - وعندما بدأتْ أول خطوة مع أول رفيق،ومع أي رفيق لاحق،وبعدما تحولنا سوية إلى طاقم جماعي،كل ذلك تحقق على تلك الأسس والنهج،وكله تحقق بموافقة أشخاص أعمارهم تجاوزت الثمانية عشرسنة!!،ومن ثم تمت عملية الحوار حولها وصياغتها في اجتماعات الهيئة المركزية،وعبر قراراتها.
    - كل الرفاق المتبقين حتى الآن في هيئة المكتب السياسي،ويقومون بإدارة العمل "الشرعي"بحسب اعتباراتهم،وإصدار القرارات التنظيمية والسياسية،كلهم جاؤوا على تلك الأسس،بل إن بعض أكثرهم أهمية وتأثيرا وحماسا للقرارات الحالية،هم أكثر من مارس عملية فرض الشروط الخاصة بهم عند موافقتهم على الاشتراك التنظيمي والسياسي في عملية الاستنهاض،ومارسوا عملية "دلال"واشتراطات كبيرة علينا،بحيث قبلنا بعضهم كمستقلين في الحزب،ورضينا بصيغ وجودهم المزدوجة في إعلان دمشق،وفي تجمع اليسار الماركسي،وبعضهم لا يزال حتى هذه الدقيقة على ارتباط بصيغ تنظيمية مزدوجة في تلك المواقع،ولم يفكها بعد،بل هناك رفاق معروفين انتقلوا حتى إلى مجلس استانبول بصورة علنية،إلى مراكز القوى الأكثر تشددا وتطرفا فيه،ووصلتنا أخبار مبكرة عن خياراتهم وممارساتهم هم وغيرهم على الأرض،المفترض أنها تتناقض بصورة صريحة وضارة مع نشاط الحزب،ولم تقم هيئة المكتب السياسي مرة واحدة بضبط وترشيد طريقة تفكيرهم ونشاطهم،صحيح أنهم لا يتكلمون باسم الحزب،لكنهم لم يعلنوا تركه وترك مواقعهم القيادية فيه،كما لم يتخذ المكتب السياسي أي إجراء أو حتى تنويه صغير بهذه المفارقة التنظيمية،على الأقل كي نبعد المسؤولية السياسية والأخلاقية عن الحزب،بدا ويبدو الأمر تواطؤا خطيرا.
    - المضحك المبكي في قصة التفكير أو النهج القديم ،مسؤوليته ومسؤولية من وضعه،أنه توقف  أو تشوه واختلط بكل ما هو غير منهجي"أو تحوّل إلى الجديد" ولم يتغير في الأمر شيئا،بل زاد سوءاً على سوء، بل أستطيع الجزم من جهتي أن مجموع المؤشرات التنظيمية والسياسية قد انقلبت لتضع كامل التجربة،بالترافق مع شروط الأزمة الوطنية العامة،أمام الاحتمالات الأكثر خطورة في تاريخها.
    أما الرأي الثاني الذي برز في حواراتنا حول الأسباب المتعلقة بوضع الهيئة المركزية والنتائج المترتبة عليه،فقد كان على درجة عالية جدا من الفهم البيروقراطي والمتعالي،كان تأثيره خطرا ونتائجه تدميرية،مفاده:ماذا نفعل إذا كان العدد الكبير من رفاق المركزية قد اختصروا أنفسهم وتقلصوا إلى الربع تقريبا،إذا كانوا قد انقطعوا أو امتنعوا عن تلبية الاجتماعات التي دعونا إليها،إذا كانوا قد مارسوا النهج الذي نعمل به واعتبروا أن شروط حياتهم لا تسمح بالحضور،تفترض الخوف الأمني والحذر،تفترض الحرص على أعمالهم،والحرص على أوضاعهم الأسرية ومجاراة خوف عائلاتهم عليهم؟! من يتابع حضوره هو الأكثر حماسا ونشاطا وقناعة، البقية عبارة عن كم متراكم لا قيمة له،بل يبدو سلبيا،يكفي هذا العدد الضيق الأكثر حماسا من الرفاق لمتابعة العمل الحزبي،ويتابع الرأي منتجا ذاته بطرق أخرى:على الرغم من أوضاعنا التنظيمية والسياسية الصعبة إلا أننا لا نزال أفضل من غيرنا بأشواط ؟!وهكذا فهيئة المكتب السياسي الذي يفترض أنها تضم الرفاق الأكثر حماسا وفعالية،الأكثر انضباطا تنظيميا،التي تتسع أو تتقلص على نفس الأسس،كافية بحد ذاتها،وتستطيع أن تعَوض عن مثل تلك المركزية،ويمكن أن تكون بمثابة هيئة تشريعية وتنفيذية ورقابية ريثما تتحسن الشروط،وبشيء من تقسيم العمل للحضور في هيئة المكتب السياسي،مع تشكيل لجان منطقية في المحافظات،نستطيع المتابعة وتطوير ذاتنا وأدائنا.
    تكثفت وجهة نظري في أن هذا تطور بيروقراطي خطير في الوعي، وطريقة تفكير متعالية ستأتي بنتائج كارثية،ليس صحيحاً أبدا أننا لانستطيع توسيع المركزية بترشيحات جديدة،أو أن هذا التوسيع سيكون مجرد كم سلبي معيق،وليس صحيحا أننا لانستطيع عقد اجتماعات للمركزية على الرغم من الشروط الأمنية،الاستمرار في هذا النهج والممارسة سيجلب أثاراً سلبية عديدة،ستشمل مجمل الحقول،وأوضحت هذا الرأي شفاهة وكتابة مرات عديدة،بشكل خاص عندما حاولنا الإعداد لفكرة عقد مؤتمر عام،واعتقل الرفاق الخمسة\أيار 2009\،ماذا كانت الآثار والنتائج المباشرة لكل ذلك؟!كيف أثرت على بقية المؤشرات والمفاصل التنظيمية والسياسية؟!
    أمّا:  الآثار المباشرة لإلغاء الهيئة المركزية ووظائفها: فيمكن تكثيفها على الوجه التالي:انقطاع المعايير والأسس التنظيمية التي وضعتها المركزية القديمة،والانتقال إلى ممارسات ومعايير جديدة،تضعها هيئة المكتب السياسي،في إطار عملها كهيئة تقرر كل شيء دون مراقبة أو محاسبة،ودون تجديد للشرعية،هيئة شد وجذب وخلافات(وسنتحدث بصورة مركزة عن هذه الهيئة بحد ذاتها)،تركز العمل التنظيمي والسياسي والتحريري في يد هيئة واحدة،مع كامل الدلالات والمخاطر،غياب فعالية الحوار والتفاعل الواسع،على صعيد المركزية وصعيد كامل التنظيم وأنصاره،غياب الانضباط التنظيمي المركزي والمزيد من الفوضى،وشمولهما كامل الرفاق،واللجان المنطقية،والمكتب السياسي كهيئة وأفراد،توقف الانتاج النظري والسياسي النظامي الفعال،قصر الحوار على هيئة المكتب السياسي بطاقم ضيق وغير فعال،قرارات من حوارات خفيفة،مستعجلة وغير ناضجة،تتكرر بدون تنفيذ،أو تتغير بدون أسباب موجبة.أمّا الآثار العميقة والسمات المستقرة وأوضاع المفاصل الأخرى فهي :
    ثانيا  :هيئة المكتب السياسي: مهما كانت نوايا المناضلين طيبة،ومهما كان وعيهم جيدا،فإن من أكثر الأشياء خطورة على حياة تنظيم ذي وعي نظري وتقاليد وخبرات ديموقراطية عالية،هو حلول هيئة محل بقية الهيئات الأخرى المفترض وجودها،وجمعها بيد واحدة مجمل الوظائف والمهمات،أي حلولها من حيث الجوهر والواقع الفعلي محل العمل بالكامل.لتصبح الهيئة المركزية التشريعية والرقابية،التي تضع الخطط والسياسات الرئيسية،وتعيد انتاج شرعية وجود الهيئات الأخرى،ووجود الأشخاص فيها،تعيش حالة الحوار والخلافات ،التعايش بين الأقلية والأكثرية،أو اضطرابه،أو انعدامه في صفوفها،وأن تكون بنفسها،وفي أحيان كثيرة بمثابة هيئة تحرير،وتصبح المشكلة على درجة كبيرة من التعقيد والتنوع والحضور الدائم،عندما يصبح العدد ضيقا،ولا بد من إصدار "قرارات" وتوجهات وسياسات،وجريدة،يصبح الأمر برمته بيد مجموعة ضيقة،لقد أدى كل ذلك خلال سنوات عدة إلى المظاهر والآثار السلبية التالية:غياب كامل لحقيقة التعايش الفكري والسياسي والتنظيمي الديموقراطي،الأقلية والأكثرية،وغياب القناعة والهيبة المتعلقة بالقرارات وشرعيتها وتنفيذها،غياب النضج عن القرارات المعنية أيضا لنفس الأسباب وغيرها مما سيرد،تكرار القرارات دون تنفيذ فعلي وتراكم الإشكالات وتزايد حدتها،بروز شديد للنزوعات الفردية،الغيابات غير المبررة بصورة حقيقية،التدلل وفرض شروط ومعايير خاصة للعمل في الهيئة،تقدم المبادرات الشخصية بتقدم الأدوار الفردية للرفاق الأكثر تميزا في قدراتهم وحماسهم ونشاطهم،مما رفع من حدة الاستقطاب وملىء فراغ أو غياب العلاقات الديموقراطية الحقيقية،خروج النزاعات وأسبابها إلى خارج الهيئة،تصديق الأسباب التي برزت أو طرحت بخصوص المشاكل التنظيمية،ومن ثم استمراء الحالة والتواطؤ المبرر والمفسر معها،مما أدى إلى العرقلة الشديدة لعملية المراجعة والمؤتمر العام وما يتعلق بهما،وكذلك الزمن الطويل بدون عقد اجتماعات المركزية والآثار السلبية لذلك،ومن الآثار الخطرة خاصة بعد انطلاق الحراك الشعبي في سوريا تقدم صيغة التطابق في عمل الفريق الضيق في المكتب السياسي بين التنظيم والسياسة،والاندفاع إلى تصديق النفس بالتحليلات المتسرعة والراديكالية،والاستعداد للمحاسبة والعقاب على أساسها بكل الروح العصبية المتخلفة جدا عن تاريخ ووعي تجربتنا،مع ضرورة التذكير بظاهرة انفلات وعي "وكل أشكال الإنتاج النظري والفكري والسياسي والتنظيمي الراديكالي؟؟!!" الذي كان حبيس الشروط الأمنية والشخصية في الحذر والخوف والكف عن أي نشاط،لقد غدت الشروط الآن مفتوحة على مداها لتسمح أو لتدفع إلى كل ما هو انتقامي وغير ناضج،ويسمح للأسف بالتعويض المرضي،حصلت قفزات في الهواء، سياسية وتنظيمية وحماسية،على درجة عالية جدا من الإنقطاع عن الماضي،لا تسمح بالإطمئنان بأي مستوى،وساهمت عاليا في تشجيع هيئة المكتب السياسي المنطبقة على هيئة التحرير بإصدار مواقف غير ناضجة،غير صحيحة،متطرفة،مع استمرار الحوارات الخفيفة وغير الناضجة،وكانت أكثر الظواهر خطورة،العودة السريعة للعديد من الرفاق للعمل التنظيمي وكأن شيئا لم يحدث،وحمل مشاريع سياسية معهم،بعيدة عن أي مستوى من النضج،بل خفيفة جدا سلبية وهدامة،مع استعداد كامل للإستقطابات التنظيمية المتعصبة التي تتواطأ أو تميل إلى مشاريعهم(وسأشير إلى بعضها مع نقاش معها عندما أتناول الحقل السياسي).
    ثالثا،اللجان المنطقية  في كل الأوقات والحالات التي تمكنا فيها من تشكيل لجان منطقية،كان مجمل العمل التنظيمي والسياسي يتحسن ويتقدم على العديد من الاتجاهات،تنظيم وضبط نشاط مجموع الرفاق، تفاعل سياسي أرقى مع النخب المتحركة في المجتمع،ضغوط أعلى على هيئات الحزب لتحسن أداءها،توزيع أعلى للجريدة وتفاعل أكثر تطورا معها،وضع مالي أرقى وتلبية أفضل للحاجات،كان هذا الوضع قائما على أفضل حالاته في الفترة الأولى لإنطلاق عملنا،ثم بدأ بالتراجع والتأثر بوضع الهيئات العليا،وغدا متقطعا،ثم ضعيفا وغير فعال،وتناقص عدد اللجان المنطقية،ثو وصل إلى التوقف والغياب التام قبل انطلاق الحراك الشعبي،ويمكن تصور أو مقاربة الأثار السلبية لكل ذلك.
    رابعا،الجريدة ووسائط الإعلام الأخرى:صحيح تماما أن عملنا بقي متخلفا لزمن طويل فيما يتعلق بالوسائل الإلكترونية واستثمار أهميتها،وتتحمل الطواقم القيادية مسؤولية ذلك،بسبب كل ما أوضحه وغيره،ولا يوجد أي أحد خارج هذه المسؤولية،لكن تميزت السنوات الأولى لإنطلاق عملنا بالوتائر الأعلى لصدور الجريدة،والأكثر انتظاما،كما تنوعا في موضوعاتها،كما تميزت بوجود هيئة تحرير على درجة عالية من الاستقلالية والمسؤولية في عملها،وأكبر عدد من العاملين فيها،والأكثر أهمية من كل ذلك وجود نهج وسياسة تأكيد تمايز مواقف الحزب وسياساته عن الآخرين،وعدم التعبير عنها من خلال التحالفات،أو بالصمت وتغييب النقد،كما حصل لاحقا في الفترة الثانية باسم:ضرورة التحالفات ومراعاة الحلفاء،وأن التمايز عملية غير ضرورية ويمكن الحصول عليه بوسائل ونهج بعض الحلفاء،أي بصورة غير مباشرة،عبر أسماء الأشخاص وليس بصورة مباشرة باسم الهيئات الرسمية،ومن الضروري التنويه أن الشروط المالية وتأمين بعض الأفراد العاملين في المكتب السياسي وهيئة التحرير(الاحتراف) كانت أفضل بكثير في المرحلة الثانية منها في الأولى،مع ذلك تراجعت وتيرة الإصدار،وغدا التفاعل مع الوسائل أقل أهمية وتأثيرا،غدا التوزيع أقل،أما مسألة الموقع الإلكتروني ودوره فقد حُلت جزئيا بعد تأخر طويل،وبقي بدون فعالية تذكر.
    خامسا،مسائل ومؤشرات أخرى:  المؤتمر العام والمراجعات المطلوبة:  تأخر ذلك بداية بسبب إصرارنا في المرحلة الأولى على عقد المؤتمر وإنتاج موضوعاته،أي مجمل قضايا المراجعة النظرية والفكرية-السياسية،والتنظيمية والسياسية،بصورة ديموقراطية واسعة،يشترك فيها أكبر عدد من الرفاق أصحاب التجربة،وقطعت أشواط مهمة في تقسيم عمل داخل المركزية في السنوات الأولى،في تحديد الميادين والموضوعات والحوار والكتابة حولها،وفي المرحلة الثانية مع بدايات عام 2007 دخل الطاقم المتبقي من المركزية،مع الرفاق الجدد الذين وافقوا على العمل التنظيمي باشتراطاتهم وقبولنا بها،دخلنا عملية خلاف عميق في النهج وأولوية الموضوعات،وبدلا من فكرة المراجعة الشاملة تقدمت فكرة البرنامج ،وتغييب ضرورة المراجعة،والهرب الصريح كذلك من المسائل النظرية والفكرية والاستراتيجية،وبذلك استطالت فترة تغييب المراجعة والمؤتمر،وعندما عدنا إليها مرة أخرى بادية عام2009 بنهج أفضل وجدية أعلى،جاءت عملية اعتقال الرفاق الخمسة ليتوقف كل ذلك،ومع الحراك وتحت ضغط حيويته وقدرته على التحفيز أطلقنا عملية اللقاءات الواسعة لوسطنا الحزبي القديم والجديد،والحوار على مسألة واحدة هي الأحداث السورية وآفاقها والموقف المطلوب منها،على أن تجري عملية تفاعل تنظيمي وتطوير الأمر باتجاه مؤتمر عام أو اجتماع موسّع للكادر،كانت اللقاءات التي تحققت مفيدة جدا ،حيوية صريحة وتحفيزية في الحقلين السياسي والتنظيمي،وكان أمرا بديهيا بروز خلافات حادة فيها متعلقة بالحدث القائم،وبدلا من استثمار تلك الاجتماعات وتحويلها إلى واسطة تطوير الميدان التنظيمي والخروج من مشاكله المتراكمة،توقفت الاجتماعات ورفضت عدة مشاريع هامة مثل:اجتماع كادر موسع،أو اجتماع واحد موسع لكل من يعتبر نفسه رفيقا في حزب العمل،نفس العقلية والمنطق في هيئة المكتب،بوضع شروط وخطوات بيروقراطية لضبط من هو رفيق فعلي،ولوضع بعض الوثائق .الخ بذلك انقطع زخم العملية،ومرت فترة تزيد على السنة من بدء الأمر ودخلنا نفق الترتيبات المفصلة على قد الهيئة دون أن تنتهي!ونفق تبرير أي وجه سلبي بضغط حاجات العمل اليومي وضروراته.
    وكان طبيعيا أن يتقلص عدد الرفاق العام ،وأن تحصل عمليات تقطع تنظيمي شبه دائمة،وأن تخلق أجواء هيئة المكتب السياسي،وتقدم الأدوار الشخصية ،أن تخلق عمليات خرق تنظيمي فاضح عبر مندوبيها إلى العلاقات التحالفية،باسم المبادرة ثم المساءلة والمحاسبة،أو مراعاة الحلفاء،بعدم انتقادهم أوالخروج عنهم،بالإضافة إلى عمليات التنسيق والتواطؤ مع بعض الحالات الرفاقية الميدانية في الحراك،على الرغم من التفارق التنظيمي والسياسي مع الحزب.وافتقدنا الكثير من قدراتنا الرفاقية التي كانت تسمح لنا دائما بمعرفة سريعة وشاملة للأحداث،مما أدخلنا في هيئة المكتب عمليات شد شعر متكرر على صحة أو عدم صحة تفاصيل ووقائع هامة وخطرة في الحدث السوري(مثال أحداث جبل الزاوية يومي الجمعة والسبت ،الثالث والرابع من حزيران\2011\).وليس فقط عملية التمترس الإيديولوجي برفض وقوع تفصيل ما،أو تحميل المسؤولية فيه لهذا الطرف في الصراع أو ذاك.وتميز طاقم هيئة المكتب على العموم،خاصة عندما بقي زمنا طويلا ضيق العدد،أو بعدما ارتفع عدده من نفس الرفاق الذين جمدوا نشاطهم ذاتيا،أو رفاق المركزية الآخرين الذين فسروا أو برروا غيابهم سابقا بالشروط الأمنية والشخصية غير المناسبة،تميز هذا الطاقم بضعف المشاركة،والخفة في الحوارات تجاه العديد من المسائل الهامة  ،وصّدق العديد منهم نفسه أن هذه هيئة جامعة شاملة،واندفع إلى منطق العصبية ومفاقمة مشاكل الحزب في ظل أزمة شاملة تأكل كل شيء وتدمره في طريقها،المهم في ذلك المنطق هو الموقف الموّحد بين السياسة والتنظيم،وها هي الشروط مناسبة لذلك على الصعيد الأمني-الشخصي،فاندمجت دوافع التطهر الذاتي لتدفع إلى التطهر ومواقف التطرف السياسي،أو الانتقام ضمنا،وكذلك التطهير التنظيمي لاستكمال حالة"التوحد" بإهمال شديد وتناسي لأهم القيم الديموقراطية،والقيم الرفاقية النضالية الحميمية،والنسيان التام للذات وما كانت تفعله حتى البارحة،وبالمقابل الدلال والمداراة والحماية التي كنا نحيط أولئك الرفاق  بها؟!
    كل مظهر مما أذكر أو سأتوقف عن ذكره،يستحق بحد ذاته عنوانا،وصل مستوى الدمار التنظيمي والسياسي للتجربة حدودا مأساوية،ملحمية في الكثير جدا من الوجوه،إلى درجة تستخدم فيه النخب السورية الأمر على وجهين متكافئين بالمعنى المأساوي،يقول البعض انتبهوا إلى كوادر حزب العمل الشيوعي"موجودين" في قيادة كل المظاهر والمسميات التنظيمية والسياسية الرئيسية في سوريا،ويقول الآخرون:إنها عملية قصدية ومتفق عليها بينهم،وكل يحاول التدليل على أهمية التجربة،وأذكر في هذا السياق من باب التدليل على مستوى الدمار أن عدد الأشخاص الذين انتموا إلى التجربة في لقاء روما الأخير،كانوا ستة من مجموع ثمانية عشر شخصا،وكل أمامه علم خاص،وكل يغني موّاله،من المسؤول،كيف توزع المسؤولية،ما هي مسؤوليتي الشخصية في ذلك؟؟سأجيب على هذا الأمر بعد استكمال البحث في الميدان السياسي في المقال الثالث التالي.  

    فاتح محمد جاموس
    قيادي في حزب العمل الشيوعي        



مقال سيريا بوليتيك

تابعونا