" 12 -12-2012"، تاريخ سيذكره السوريون بشتى أطيافهم السياسية، لإضافته بعداً جديداً في صراع القوى العالمية وتحالفاتها على خلاص سورية، كما صراع المعارضات المختلفة بمرجعياتها حتى بعد رحيل السلطة، فبعد أن تآلف الشعب مع آلية تعامل تلك المعارضات مع معطيات النزاع "اتفاق الهدف- اختلاف الأسلوب"، أصبحنا اليوم أمام جثة اتفاقات وجلسات سابقة لإنقاذ سورية لا قيمة لها بفضل "شرعية التمثيل الوحيدة" التي غيبت الصوت العاقل لبعض القوى لصالح ائتلاف يجمع قوى أخرى تؤمن بمنطق دفع الشر بالشر، أي ذات منطق السلطة البعثي الذي أوصل سورية إلى هذا النفق المظلم، لنرى أنفسنا أمام مشهد ضبابي لا يليق بانتفاضة التغيير الحقيقية ولا يفي لدماء شهدائها، ففي وقت أدانت أمريكا أعمال جبهة النصرة وصنفتها بالإرهابية، امتنع رئيس الائتلاف ونوابه وغالبية الأعضاء عن إدانة إرهاب ثبت وقوعه باعترافها ودافعوا عنها، ثم أتى خطاب الائتلاف الرسمي في مؤتمر مراكش ليطالب بإعادة النظر في القرار، وهنا نتساءل ما دامت جبهة النصرة اعترفت بمسؤوليتها عن عمليات إجرامية كثيرة، وسواء كانت اختراعاً مخابراتياً يقف وراءه نظام البعث- رواية لها أنصارها-، أو كانت تنظيماً مستقلاً يتبع القاعدة، ففي الحالين إدانتها واجب إنساني قبل أن يكون راحة لسورية وشعبها، فلماذا هذا الدفاع عنها، ومن المستفيد من إرهابها؟
يُدهش المرء من سعي البركة الأمريكية والأوربية وتوابعهما على إغراق سورية بنعم الديمقراطية، في مسعى حثيث وبكل طاقاتهم لإنهاء مأساة الشعب، التي لم تستطع على ما يبدو تجربة ما اصطلح عليه بالمجلس الوطني الشرعي غير الوحيد سابقاً إنهاءها، فكان البديل ائتلاف قوى الثورة والمعارضة الشرعي الوحيد، وهنا نتساءل ببراءة الأطفال الذين يجندهم حراس الثورة لقتال "البعث": ألا يعني القبول بهكذا شرعية التخلي عن تراث يوسف العظمة وإبراهيم هنانو وباقي شهداء سورية قديماً وحديثاً، ثم أين وجه اختلافهم عن نظام البعث الذي ترعاه أمريكا والغرب ويدعمه الصهاينة- على حد قولهم سابقاً- وبماذا يختلفون عنه كبديل سياسي ووطني ما دامت شرعيتهم من مصادر شرعيته؟ ألا يعتقدون-وهم العارفون بالشعب السوري- أن التسليم بصفة-الشرعي الوحيد- التي منحت لهذا الائتلاف في ظل وجود قوى معارضة أخرى لها وزنها الوطني وحضورها السياسي في الأزمة، ليست إلا تسليماً بحقيقة شروق الشمس من الغرب، أو حتمية انتصار تدعيه السلطة الحالية.
يوالي بعض السوريين من البعثيين مع تحالفاتهم، السلطة الحالية تحت شعار الولاء للدولة الوطنية، وشتان ما بين الولاءين، كما يعاني الكثير من "الثوار" من عدم استيعاب أن حقيقة التغيير الطبيعي في سورية ليس أحقية تولي -طائفة أو جماعة- لقيادة البلاد على حساب أخرى، لأسباب عدة صنعها إعلام الدم والطائفية وأعداء سورية، ووقع في فخها رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب في أكثر من حديث وآخرها في مراكش بطريقة-مهما كانت براءة مقاصدها-فلن تعفيه من المسؤولية الأخلاقية وهو الداعية والمصلح الاجتماعي، قبل أن أستحضرها، أذكر مشهداً سريعاً على ذهنية إقصائية بعد انطلاق الانتفاضة بفترة تتلاقى مع ذهنية الخطيب في سياقها الدلالي، موجزها: استنتج كاتب سوري خمسيني أن أحدهم يدافع عن النظام لأنه لم يقل له آمين عندما لعن "روح حا...الأسد"، -أحد شعارات الثورة سابقاً-، وفتح أسطوانة جرائم البعث مؤكداً أن شعبنا- وأستغرب "نا" الجماعة هنا لمن تعود- يحمل السلاح للدفاع عن نفسه ضد العنف والقتل الذي ترتكبه ميليشيات "أقلوية" بحقه، وعلى تلك "الأقلية" أن تتخلى عن دعم النظام وتلتحق بركب الثورة، حاول ذاك الآخر إقناعه بأن أزمتنا الحالية ليست خلافاً فقهياً على إثبات ولاية، وتعبئته الفكرية هذه تؤثر سلباً على قرائه وحتى أبنائه، لكن دون جدوى، السؤال الآن هل قناعة ذاك الكاتب أتت من فراغ، أم أنها تحصيل حاصل لإجرام بعض وسائل الإعلام، وترجمة مختلفة لكلام رئيس الائتلاف الذي يفترض به أن يكون مدركاً لأبعاد المعاني ودلالاتها بحكم أنه شيخ، وبعد ذلك بمثابة زعيم يرأس ائتلافاً يمثل الشعب كله، عندما وجه رسالة مباشرة إلى إحدى الأقليات السورية للانضمام للثورة، بل وأبعد من ذلك طالبهم بالعصيان المدني، مع ملاحظة أنه يقر بمظلوميتهم من النظام، لكنه يصنفهم دون أن يدري بعوامل انتكاسة الثورة، وهنا نتساءل هل رؤية "الخطيب" الذي لا ينطق بما يخالف توجه الائتلاف حكماً بموجب النظام الأساسي له، تمثل الرؤية الوطنية لكل أطياف الشعب وتوجهاته، وهل ما قاله حلقة جديدة في تطييف الصراع وتشجيع العنف؟ أم هي لغة بريئة لها مقاصد سامية؟ صدق العظيم كارل ماركس عندما قال أثبتت الثورات أنها تغير كل شي إلا الإنسان.
حق ديمقراطي: شكر رئيس الائتلاف في ختام كلمته وباسم الشعب حكومات الدول التي "تساهم في دعم شعبنا"، أنا –شخصياً- أسحب بطاقة شكر مثلتني غيابياً تشبه في قسريتها تعبئة "البعث" للطلبة في الأول الثانوي في أكياس الانتساب للحزب، وأقترح عليه في المرات المقبلة أن يقول: إن قليلاً أو كثيراً من الشعب السوري يشكركم، مع أني لا أشكرهم.