سـياسة واســتراتيجي

  • العلويون عام 1930 .. ثورة اجتماعية و"تأثيرات يسوعية"

    20 أغسطس 2012 - 11:17 ص : بقلم شانتال فيردل، ترجمة: صلاح نيوف
  • "تعميد" علويين في جنينة رسلان عام 1931
  • بقلم شانتال فيردل: مؤرخة ومتخصصة بالعالم العربي تحت الحكم العثماني، وبمسيحيي الشرق
    العنوان من اختيار المترجم
    ترجمة : صلاح نيوف

    في شهر تموز من عام 1931، عمّد المسؤول الأول في البعثة التبشيرية اليسوعية في سورية " بي. شانتور" 62 علويا في قرية " جنينة رسلان" في طرطوس، وقد قام أحد المصورين بتخليد هذا التعميد في صورة تحولت فيما بعد إلى كرت بوستال، وبذلك تم تدشين بداية البعثة التبشيرية لدى العلويين لتستمر 15 عاما فيما بعد، من عام 1931 وحتى الاستقلال السوري. إذا بدأت البعثة التبشيرية اليسوعية الحاضرة في الشرق الأوسط منذ عام 1830 بتحقيق أول نجاحاتها بين شعب غير مسيحي.

    منذ البداية، اهتم رجال الدين المسيحيون في البعثة التبشيرية " حملة يسوع" بالكاثوليكيين من مختلف الكنائس (المارونية، اليونان الكاثوليك بشكل خاص) وفيما بعد اهتموا بالمسيحيين الآخرين (اليونان الأرثوذكس)، فقد كان على البعثة في البداية تثبيت وترسيخ عقيدة اليونان الكاثوليك والموارنة، ثم قيادة اليونان الأرثوذكس ليلتحقوا بالكنيسة الرومانية. إن تغيير عقيدة من هم غير مسيحيين كان عملا هامشيا وفرديا بالنسبة للبعثة اليسوعية، ولا نستطيع أن نعدّ أكثر من عشرين شخصا خلال القرن الأول من عمل هذه البعثة. أما البعثة التي كانت في مناطق العلويين فقد ظهرت كحالة خاصة وتجربة فريدة، وبدأ التبشيريون بقطف ثمار عملهم الذي استمر طويلا بعد تحول عدد قليل من العلويين إلى المسيحية.

    لطالما شكّل العلويون طائفة اعتبرت من قبل الكثير من المسلمين كخارجة عن الإسلام. ففي أدبيات التبشيريين، العلويون يوجدون على هامش الإسلام لأنهم في نفس الوقت معزولين ومختلفين عن بقية المسلمين. يعيشون بعيدا عن سلطة الدولة العثمانية التي لم تستطع فرض سلطتها عليهم ولا حتى قوانينها الدينية. لقد نظر السنّة بازدراء إلى العلويين، كذلك كان العلويون هدفا أمام عيون المبشرين اليسوعيين وهدفا ليس صعبا، وذلك أكثر من المسلمين الآخرين اللذين يشكلون كتلة صعبة المهاجمة.

    إن افتتاح بعثة تبشيرية في مناطق العلويين ترافق بإعادة تجديد الكتابات التبشيرية اليسوعية المتعلقة بالعلويين. العديد من النصوص، وباختلاف طبيعتها، تخبرنا بالنظرة التي اتخذها المبشرون تجاه العلويين وتعرض الأسباب التي أدت لتغيير بعض العلويين لمعتقدهم. بالنسبة لمعظم الآباء اليسوعيين، فإن العلويين يشكلون " شعبا" له خصوصيته من الناحية الدينية العقائدية ومن ناحية بعدهم عن العديد من مكونات الحداثة آنذاك. إذا، تدعونا النصوص اليسوعية إلى إعادة زيارة وقراءة التهميش الواقع على العلويين. هنا، عن اي تهميش نتحدث؟ ديني، سياسي،اقتصادي؟ نريد التفريق بين مختلف الأبعاد داخل الكتابات التبشيرية اليسوعية، والتي لابد من تحليلها على ضوء الأعمال الجديدة حول العلويين. إن تطور حالة العلويين في بداية القرن العشرين تجبرنا على تنويع قراءة حالتهم على هامش الإسلام و وضعهم أثناء الانتداب الفرنسي. فالعديد من كتابات المبشرين كانت صدى لهذا التنوع في الحالة العلوية وتحولاتها. الآباء اليسوعيون الذين كانوا في مناطق العلويين لا يتقاسمون دائما وجهة نظر الباحثين الآخرين من البعثة التبشيرية الذين لم يكونوا في نفس مناطق العلويين، فمن وجهة نظر من كانوا في عين المكان فإن العلويين كانوا في حالة ثورة اجتماعية وكانت اساسا لتغيير البعض لمعتقدهم.

    19 تموز 1931، في منطقة جنينة رسلان، 61 شابا علويا من الجنسين أثناء تعميدهم على يد كبير المبشرين في سورية.

     

    1ـ على هامش الإسلام والسلطة السياسية


    ينتمي العلويون إلى طائفة من الإسلام تشكّلت في القرن الرابع في العراق قبل أن تستقر في شمال سورية، منطقة حلب في القرن السادس. في القرن التاسع عشر كانت تسمية "النصيريين" تطلق على العلويين، واعتبروا هراطقة من قبل المسلمين السنة الذين يشكلون الغالبية من شعب بلاد الشام. العلويون يعطون مرتبة كبيرة لعلي بن أبي طالب ابن عم النبي محمد، ليس لديهم جوامع والكحول غير محرمة لديهم. فقط رجال الدين هم ملزمون بصوم رمضان. في نهاية القرن التاسع عشر عمدت الدولة العثمانية لتنفيذ سلسلة من " الإصلاحات" التي تهدف لدمج العلويين في المجتمع الإسلامي السني، فقد أصبح لديهم الحق بأداء معتقدهم الديني في أماكن للعبادة التي كانت ممنوعة من قبل السنة في بلاد الشام، ولكن من الصعب تقييم نتائج هذه الإصلاحات على الطائفة العلوية.

    مع بداية القرن العشرين، وكما يقول " رشيد رضا"، فإن أماكن العبادة هذه تحوّلت إلى اسطبلات للحيوانات من قبل السنة في بلاد الشام، ويستند رشيد رضا هنا في قوله على " محمد عبده". في هذه الفترة بدأ العلويون بمحاولات الإصلاح من داخلهم، فالعديد منهم سيتجه إلى العراق للدراسة في الأماكن المقدسة. وهنا بدؤوا بتغيير اسمهم من النصيريين إلى العلويين، وهو اسم يربطهم بعلي بن أبي طالب صهر النبي محمد. تحت الانتداب الفرنسي، تحولت المحاكم العلوية إلى محاكم الدولة ثم طبقت هذه المحاكم " القانون الجعفري" كما هو عند الشيعة. إذا، عن طريق الشيعة أعاد العلويون التحاقهم بالإسلام. هذا الاندماج بالإسلام اعترف به جزء مهم من السنة حتى عام 1936، وفي هذا التاريخ أصدر مفتي فلسطين فتوى تعلن أن العلويين هم مسلمون. بالنسبة للتبشيريين اليسوعيين المهتمين بالعلويين، فإن هؤلاء لم يفقدوا خصوصيتهم بل كان لديهم طريقتهم بالإنتماء للإسلام، أي لابد من الأخذ بالتنوع والاختلاف والاعتراف به في هذا الصدد.

    على الصعيد السياسي، فإن اندماجهم كان أكثر وضوحا. فالتأريخ للعلويين يدل على تقلبات وتغيرات تعرض لها العلويون في ظل الحكم العثماني. في القرن التاسع عشر عمدت الحكومة العثمانية في الإقليم لقمع الفلاحين الفقراء وأجبرتهم على تسديد مبالغ الضرائب تحت طائلة الحصار وقطع الطرق عليهم. العديد من العلويين عرفوا وظائف جيدة في الإدارة العثمانية، وفي عام 1834 ثاروا ضد الاحتلال المصري مثبتين ولاءهم للدولة العثمانية. وفي عام 1920، انضم العلويون إلى القضية الوطنية وساندوا المملكة العربية في دمشق. وبعد سقوط الملك فيصل عمد الفرنسيون إلى تقسيم مناطق تواجد العلويين إلى ثلاثة أقسام: كيليكية وتركت للأتراك، الاسكندرونة وكان لها وضع خاص، اللاذقية ومنطقة مصياف تم جمعهما لتشكيل الإقليم العلوي والذي سميّ " الدولة العلوية" عام 1922.

    وفي هذا التاريخ كانت سورية فيدرالية من ثلاثة دول: دمشق، حلب والعلويين. في كانون الثاني من عام 1925 سحبت فرنسا الدولة العلوية من الفيدرالية السورية وتبقى كل من حلب ودمشق لتشكلان الدولة السورية. في عام 1930، تم تغيير اسم الدولة العلوية من جديد لنتحدث عن حكومة اللاذقية. هذه التغيرات أدت إلى غموض في مستقبل هذا الإقليم: هل هو اندماج في سورية الكبرى أو تأكيد على دولة مستقلة تدخل في فيدرالية مع الجارة لبنان؟

    لم يكن هناك جواب لهذا السؤال قبل توقيع المعاهدة السورية/الفرنسية عام 1936. مع نهاية عام 1930 وفي أثناء المفاوضات لتوقيع اتفاقية الاستقلال، لم يوافق الوطنيون السوريون إطلاقا على انفصال الإقليم العلوي عن سورية. بشكل مفاجئ، وفي عام 1936 عمدت جماعة علوية تحت زعامة الشيخ " سليمان الأحمد" إلى إعلان نفسها بأنها عربية ومسلمة، وبعد سنة اصبح الإقليم العلوي جزءا من الدولة السورية الجديدة، وما بين عامي 1939 و 1942 تم دمج الإقليم في سورية التي كانت في طريقها إلى الإستقلال.

    هذه الأقلية العلوية والتي هي في طريقها للاندماج في مجتمع ديني أكبر وأشمل وإقليم سني سياسي وطني، تعيش داخل محيط كامل من السنة. وحتى نصف هذه الصورة، إنها جزيرة صغيرة وكأن العلويين يعيشون على جبالها في قلب محيط من المسلمين السنة، ربما لا تكون هذه الصورة دقيقة بشكل كبير. العلويون يعيشون في الجبل الذي يحمل اسمهم ويمتد إلى جبل لبنان في الشمال. قدر عددهم عام 1930 بحوالي 250 ألف نسمة ويتجمعون في الجبل منفصلين عن بعضهم بأودية ضيّقة. في جوارهم تجمعات دينية أخرى: الإسماعليين، السنة، المسيحيين من مختلف الكنائس.

    ولكن بشكل إجمالي كان عدد سكان حكومة اللاذقية آنذاك حوالي 350 ألف نسمة. في هذه الفترة عاش العلويون في مناطق ريفية منعزلة عن الشاطئ وعن طرق الاتصال الأخرى. في سنوات 1930، لم تتوفر الطرق في جميع أرياف العلويين والكثير منها لا يمكن الوصول إليها إلى على القدمين، وفي الشتاء جميع الطرق تكون مغلقة.

    في عملية تنظيم" الحملة اليسوعية" في سورية فإن بعثة مناطق العلويين ضمت منطقة طرطوس حيث يعيش الكثير من المبشرين، أما القرى التي عرفت بعض التغيير إلى المسيحية فكانت أهمها " جنينة رسلان". إن التحولات التي طرأت على مناطق العلويين لم تدرس بشكل جيد من قبل المعاصرين. فهذه الجزيرة العلوية تحافظ على عادات وانتماء ديني قديم و راسخ شكل خيالا خصبا عند المستشرقين. ونرى هذا فيما كتبه " جاك وولرس"، الذي كتب في خاتمة تقديمه لمجتمعات مختلفة:" إذا تكلمنا اجتماعيا، فإن بلاد العلويين غارقة في الأفكار القديمة". هذه العزلة شكلت جزءا من اسباب قدمها رجال الدين الأوربيون لتبرير آمالهم بتغيير عقيدة هؤلاء.

    يتبع
     



مقال سيريا بوليتيك

أكثر الأخبار قراءة

آراء

  • رؤية في الحل

    بقلم : د.محمد عبدالله الأحمد
    التفاصيل
  • دوافع وأهداف العدوان الإسرائيلي على مركز البحوث في جمرايا

    بقلم : محمود جديد
    التفاصيل
  • العنف والمثقفون في سوريا: بين أوهام التلفيق البهيجة وحقائق التاريخ الفاجعة

    بقلم : محمد حيان السمان
    التفاصيل
تابعونا