دمشق 'القدس العربي' من أنور بدر
تعودنا في نهاية الموسم الرمضاني من كل عام أن نلتفت للخلف قليلا في جرّدة حساب مع الدراما السورية، ما قدمته وما أخفقت في تقديمه؟ خاصة وأن الدراما العربية عموما أضحت تكرس ما يقارب 80 بالمئة من إنتاجها لهذا الشهر الفضيل، حيث توظف فيه الحصة الأكبر من القيمة الإعلانية في العالم العربي. لكننا في سوريا حيث تغيب الكتلة الإعلانية حالياً، وحيث يعيش المواطن السوري في هذا الزمن الدرامي الخاص داخل استوديوهات التصوير مباشرة، ويسمع القصف وأصوات المعارك اليومية التي تأخذه في كل لحظة من شاشات العرض باتجاه المتابعة الحية وأصوات الموسيقا التصويرية التي تستمر معه لما بعد الفجر من كل يوم.
وحتى من أراد متابعة الدراما التلفزيونية حصرا، ما بين إفطاره وسحوره، وأثناء النهار أو بدلا عن قيام الليل، فالشريط الإخباري أسفل الشاشة سيسرقه بالتأكيد إلى حيث الصراعات والمعارك التي تدور في جواره وعلى مقربة من بيته أو حارته، حيث يسكن بعض من أهله وأصحابه، لأن صناع الدراما الحقيقية في الشارع السوري وطائرات الميغ روسية الصنع ومتعددة الأرقام والموديلات، وقذائف الدبابات والصواريخ المدمرة، لم يحترم أيٌ منها ضرورة وقف القتال في الأشهر الحرم، فتسيدت بذلك تلك الدراما ال'لايف' وأثبتت قدرتها على اقتناصنا إلى حيث الصوت الأقوى والمشهد الأوضح، بعيدا حتى عن اهتماماتنا الصغيرة، ومتعتنا الرمضانية الحلال في متابعة مسلسلات أنتجت على الطريقة الإسلامية وفق فتوى الفضائيات الخليجية التي أصرت للعام التالي على شراء بعض من هذه الأعمال، مما يسوغ لفضائيات عربية وإقليمية موالية للنظام عرض هذه الأعمال أيضاً.
ومصيبة الدراما السورية أنها تدفع ضريبة الثورة مرتين، بعكس ما يكتب ويصرح مروجوها، فهي أولاً لا تمتلك سوقا إعلانيا محليا في ظرف الثورة يغطي تكاليف الإنتاج، وهي لا تمتلك مشاهدا متابعا في هذا الظرف يمنحها القيمة المعنوية إن افتقدت القيمة المادية، ولذلك اضطر التلفزيون السوري بقنواته الرسمية وشبه الرسمية أن تشتري هذه الأعمال لتوفر لشركات الإنتاج الموالية لها ما قيمته ثلث التكلفة الإنتاجية تقريباً، خاصة وأن أغلب شركات الإنتاج المحلية والمنفذة منها تلجأ للإنتاجات الاجتماعية والكوميدية الخفيفة منخفضة التكلفة، وتبقى الشطارة والعلاقات العامة برسم المنتجين لتسويق بضاعتهم على الأثير العربي، وخصوصاً في غياب آلية تسويق أو جهة معنية بتسويق الدراما السورية خارج العلاقات الشخصية للمنتجين.
من هنا رأينا أن نطل على وجود الدراما السورية على الفضائيات العربية باعتباره مؤشر انتشار هذه الدراما وليس مؤشر جودة كما يذهب البعض، فنحن نعلم أن الإنتاج الدرامي السوري تقلص إلى النصف تقريبا في ظل الثورة التي أطاحت بالكثير من مقومات هذا الإنتاج، وبعض الأعمال التي نفذتها شركات سورية هي بالأصل ممولة لصالح شركات وفضائيات خليجية، وهذا يبرر التهافت عليها أحياناً، كما يبرر التهافت على أعمال أخرى رداءتها فاضحة، وبشكل خاص في تلك الأجزاء المستعادة والمبتكرة لعرض مجاميع النساء في حيواتهن اليومية، حيث يبلغ الإسفاف ما يعجز المرء عن تحمل أعباء متابعته.
وبالعودة إلى الإحصائيات نجد أن الدراما السورية تواجدت على شاشات 23 محطة وفضائية عربية إضافة للدنيا والقنوات السورية، لكن تواجدها كان متبايناً بين MBC التي عادلت الدنيا بعرض ستة أعمال سورية، وبين كل من LBC وذي ألوان التي عرضت كل منهما أربعة أعمال سورية، ثم تأتي المحطات الجزائرية التي عرضت مجتمعة ثلاثة أعمال، وبعدها جاءت القطرية والجديد اللبنانية وأبو ظبي ثم البغدادية بمعدل مسلسلين لكل منها مع أن البغدادية عرضت مسلسلاً واحدا جديدا والآخر هو مسلسل 'شيفون' لنجدت أنزور من إنتاج العام المنصرم، وأخيراً 14 شاشة عرضت كل منها مسلسلاً سوريا واحداً وهي بدون ترتيب: سما دبي، الإمارات، التونسية، روتانا مصرية، ليبيا TV، الكويت، الشارقة، فلسطين، المنار، العقيق، الغدير، الظفرة، الشروق، إنفنتي، وقد لا يعطي هذا التعداد صورة واضحة عن هذه الدراما، لأن عملاً واحدا مثل 'زمن البرغوت' وهو من البيئة الشامية والتراثية للسيناريست محمد زيد ومن إخراج مؤمن الملا يعرض على 11 فضائية عربية، كذلك يعرض مسلسل 'الإميمي' وهو من البيئة الشامية أيضاً على ست محطات عربية، يليه مسلسل 'ساعات الجمر' وهو الجزء الثاني من مسلسل 'الولادة من الخاصرة' ومسلسل 'المصابيح الزرق' للسيناريست محمود عبد الكريم عن رواية حنا مينة التي حملت الاسم ذاته ومن إخراج فهد ميري، وكل منهما عرض على ست فضائيات، ثم يجيء مسلسل 'أرواح عارية' والجزء الثاني من كوميديا 'أبو جانتي' على أربع شاشات، وبعدها 'بنات العيلة' و'المفتاح' وكوميديا 'رومانتيكا' التي عرض كل منها على ثلاث شاشات عربية، وكل من 'طاحون الشر' و'رفة عين' و'الإنفجار' و'أيام الدراسة' و'أوراق بنفسجية' عرض على فضائيتين، فيما لم يعرض أي من كوميديات 'بقعة ضوء' و'سيت كاز' إلا على قناة الدنيا.
علما أن بعض الأعمال ما زالت إشكالية في تحديد جنسيتها، فمسلسل 'الفاروق عمر' للمخرج حاتم علي والذي يشارك في إنتاجه مع ال MBC كثيرون لا يعتبرونه عملاً سوريا، مع أن أغلبية مطلقة من كاست العمل من فنانين وفنيين هم سوريون، وكذلك الأمر في مسلسل 'بنات العيلة' للكاتبة رانيا بيطار وإخراج رشا شربتجي.
ولكن بعيدا عن هذه الملاحظة يمكن القول أن الدراما السورية التي انخفض إنتاجها للنصف، وعانت من ظروف المقاطعة العربية بالمعنى النسبي، وكذلك من غياب نسبي كبير للمتابعة المحلية، وغياب أكبر للمعلن المحلي الذي يدفع ثمن المسلسلات التي تعرض على الشاشات المحلية، كل هذا يؤكد أن ظرف الثورة الذي يستمر للعام الثاني في سوريا يُكذب مروجي الدراما السورية القائلين بأن 'استحواذ العديد من الفنانين على المشهد الدرامي' أثبت 'أنّ الصناعة الأكثر رواجاً ما زالت عصية على المصاعب التي تشهدها سوريا'.
كذلك الأمر في ادعائهم بأن صناع الدراما السورية 'نجحوا في تجاوز مأزق تسويق الدراما السورية'، فالدراما التي تبتعد عن واقعها والثورات المشتعلة في مجتمعها، لا يمكن أن تتجاوز أياً من أزماتها الإنتاجية أو التسويقية. ولن تكفي عروض الصبايا وبنات العيلة وحتى البيئة الشامية في إنقاذ هذه الدراما المتردية في هاوية البحث عن أرباح المنتجين.