قال تقرير صادر عن القسم الاستراتيجي في "سيريا بوليتيك" إن إضراب محلات تجارية في العاصمة دمشق "مرتبط بالتعبير عن إحباط التجار من الوضع الإقتصادي العام ولا علاقة له بما جرى في الحولة".
وكانت تقارير تحدثت عن إضراب التجار في أسواق الحميدية ومدحت باشا والحريقة وسوق الصوف والقماش وسوق ساروجة وباب سريجة التي تعتبر أحد أهم الأسواق الرئيسية بدمشق. واعتبرت وسائل الإعلام هذا الإضراب تنديدا واحتجاجا على مجزرة الحولة في حمص.
وقال التقرير: إن تجار دمشق هم أصحاب إحدى أشهر اللافتات "الإسلامية – الإقتصادية- السياسية" في تاريخ سوريا وهي لافتة (طلبنا من الله المدد، فأرسل لنا حافظ الأسد) التي تم تعليقها على مدخل سوق الحميدية ترحيبا بوصول حافظ الأسد إلى السلطة عام 1970 نظرا لأن وصوله للحكم أزاح اللواء صلاح جديد الذي كان يشكل عقبة كبيرة أمام تجار دمشق الذين نظروا إلى اللواء جديد باعتباره يساريا متطرفا أراد الوقوف مع العمال ضدهم من خلال ما يعرف بعمليات التأميم الواسعة التي قادها، ونتيجة لذلك أضرب تجار دمشق مرارا.
يضيف التقرير: آنذاك أضرب تجار وأثرياء دمشق احتجاجا على التأميم والإضرار بمصالحهم، لكنهم لم يضربوا عندما حصل أول قصف لمآذن الجوامع في سوريا بعد الاستقلال في زمن الرئيس امين الحافظ عام 1964 عندما تم قصف مساجد حماة للمرة الأولى.
وتابع التقرير " تحرك بعض كبار تجار دمشق خلال أحداث الثمانينات وحاولوا جمع الزكاة لصالح الإخوان المسلمين، لكن تحركهم هذا لم يرتبط أيضا بما حصل في حماة آنذاك وإنما ارتبط بما أخبرهم به التاجر الدمشقي الكبير (......) الذي انقلب لفترة قصيرة ضد نظام الاسد إبان فترة مرضه الشهيرة آنذاك، معتبرا أن الفرصة حانت لنقل المدفع الأقتصادي من كتف نظام الاسد إلى كتف الإخوان".
وقال التقرير إن التاريخ يعيد نفسه لأن الأزمة الإقتصادية التي تمر بها البلاد، من وضع المصارف وحصارها إلى الركود في الأسواق فضلا عن الانخفاض الشديد لدى المواطن في قدرته على الشراء، أدت جميعها إلى انخفاض شديد في عمل المحلات التجارية في دمشق، حيث انخفض عملها بنسبة تفوق النصف، وهناك محلات أخرى أغلقت بسبب الخسائر وليس بسبب الإضراب.
وأضاف التقرير " العالم يعرف أن التاجر الدمشقي من أمهر التجار في العالم وأشدهم براغماتية، ففي قلب دمشق تم رفع صور جمال عبدالناصر إبان حصول الوحدة السورية المصرية، وعندما انتهت الوحدة حرق الكثيرون صور عبدالناصر في قلب الأسواق وإن فسرها البعض بالغضب من السياسة الناصرية في إغراق السوق السورية بمنتجات مصرية".
وشرح التقرير أن الإضراب المؤثر عادة يرتبط ليس بإغلاق محلات الذهب والأحذية والألبسة والشاورما بل بإغلاق المعامل والمصانع الكبيرة التي تؤثر في وضع العمال وحركة السوق وكذلك على الحكومة، وما حصل هو إغلاق المحلات فقط ولم تحصل حالات إغلاق لمصانع ومعامل كبيرة، فإغلاق المصانع والمعامل التي يملكها تجار الشام هي المؤشر الوحيد على حصول إضراب مؤثر أكثر من كونه حركة رمزية.
وأضاف التقرير أن أصحاب المحلات التجارية المضربة يأتون في الدرجة الثانية والثالثة من رجال الأعمال الدمشقيين، ولذلك من المبكر القول أن "تجار دمشق انقلبوا على نظامها السياسي". واوضح " رجال الأعمال الدمشقيين من الدرجة الأولى هم الذين اشتكوا منذ سنوات من نفوذ رامي مخلوف الاقتصادي، ولكن سرعان ما قبلوا بالدخول بتحالف عرضه عليهم من اجل الحفاظ على تجارتهم وذلك من خلال شركة شام القابضة التي دخلها معظم رجال الأعمال الدمشقيين والذين لم يضرب منهم أي رجل اعمال حتى اليوم.
وتابع التقرير: هؤلاء لن يغيروا موقفهم – رغم الاستياء العام لديهم من ركود السوق- إلا إذا قام التاجر الشامي الكبير (..) صاحب الصلات الغربية الواسعة بإعطائهم الضوء الأخضر بناء على إشارة سياسية يتلقاها كتلك التي تلقاها في الثمانينات إلا أنها فشلت بسبب شفاء الاسد من مرضه.
وختم التقرير " لم يكن إضرابا المحلات التجارية بدمشق مؤخرا من أجل الحولة، وإنما هو احتجاج على تضرر المصالح الاقتصادية لأصحابها.. فالمواطن السوري الذي كان زبونا يوميا على المحلات ترك كل النظريات الاقتصادية ولجأ إلى المثل الشعبي " خبي قرشك الابيض ( هذا إن كان متوفرا) إلى الأيام السوداء القادمة".