آراء

  • خروج مناف وفراس طلاس.... انشقاق، أم انعتاق؟

    13 يوليه 2012 - 9:43 PM : إياد شربجي
  • قلت سابقاً أنني سأتحدث بما أعرفه من معلومات عن فراس ومناف طلاس وموقفهما خلال الثورة، وأن علينا أن نتقبلهما كمنشقين بعد الخطوة التي قام بها مناف بخروجه المدوّي من البلاد، وقد تحمّلت جراء ذلك بعض التخوين والقيل والقال ومن الطرفين؛ الموالاة والمعارضة معاً، حتى أنني اتهمت بالترويج لعائلة طلاس وقبض أموال منها، لكنني لم أهتمّ بكل ما قيل لأنني لا أنظر للموضوع من زاوية شخصية أبداً، ولن أضع نفسي مجدداً بمكان المدافع أمام اللعي والقيل والقال وخبث طويّة بعض الناس، في النهاية أنا قلت ما قلت من باب النظر لمصلحة الثورة –كما أعتقدها- ليس إلا، وحتى لو كان على حساب صورتي.

    عرفت فراس طلاس مما قبل الثورة من خلال اهتمامه وتقرّبه من الوسط الثقافي والاعلامي في دمشق، وكان متابعاً لنشاط مجلتي شبابلك، وقد أبدى عدة مرات اهتمامه بما تنشره المجلة سيما على صعيد دعم النشاطات الثقافية الشابة، وكان معجباً بشكل خاص بصفحة وبرنامج "كريزي" الذي تقدمه زوجتي علا ملص، واستمرت لقاءاتنا المتباعدة في المناسبات العامة إلى أن جاءت الثورة، حيث نشرت في بدايتها في نيسان مادة بعنوان "شكراً لكن لن أصمت" والتي أعلنت فيها صراحة معارضتي للنظام، وفوجئت بعد نشر المادة باتصال فراس طلاس بي في نفس اليوم مبدياً اعجابه وتأييده الكامل لما كتبت رغم دلالاتها وعباراتها الصريحة ضد النظام.

    خلال هذه الفترة كان شقيقه العميد مناف طلاس مكلفاً من قبل بشار الأسد بالاجتماع مع ممثلين عن المناطق الثائرة التي بدأت بالتظاهر، ومن بينها كانت داريا، وكان من بين من التقوه عدد من أصدقائي، وقد أخبرني أحدهم أن مناف طلاس كان ودوداً معهم، وقد قال لهم بالحرف الواحد:

    - تظاهروا... اعملو اللي بدكن ياه...بس لا تسقطوا النظام ولا تسبو الرئيس

    وبالفعل قام شباب داريا بالتظاهر في الجمعة التالية، والتزموا بالاتفاق، وحملوا الورود، ولم يشتمو النظام ولا رئيسه ولم يهتفوا بإسقاطه، وكانت كل شعاراتهم حول الحرية والوحدة الوطنية، وإذ بعناصر المخابرات الجوية يهاجمون المتظاهرين بكل عنف ووحشية، ويبقون القبض على بعض المتظاهرين، عدد منهم كانوا من بين من التقوا مناف طلاس، وعندما قال أحدهم لعنصر الأمن أثناء القبض عليه:

    - بس نحنا حكينا مع العميد مناف واتفقنا معو ونحنا التزمنا باتفاقنا

    فما كان رد عنصر الأمن إلا أن قال وهو يزيد مقدار عنفه على هذا الشاب:

    - خرايا عليكن وعلى مناف طلاس

    وهذا الكلام منقول حرفياً على لسان ذلك الشاب، ثم عرفت لاحقاً أن الشيء نفسه حصل في دوما والرستن، وأن قوات النظام تنصّلت من الاتفاقات التي أبرمها مناف طلاس مع المتظاهرين، ثم سمعت ككل الناس بأنه تم سحب تفويضه، وأنه وضع في الإقامة الجبرية (قبل أيام أكّد ذلك الشبيح عمار اسماعيل وقال بأن الأسد وبّخه وطلب منه الجلوس في منزله عندما اكتشف أن طلاس كان يخدعه ويريد إضعاف هيبة النظام أمام المتظاهرين)

    بعد فترة وتحديداً في حزيران 2011 أقامت شبابلك عرضاً مسرحياً تحت عنوان "الثورة غداً تؤجل للبارحة" في منزل التوأم ملص ومن بطولتهما ضمن فعاليات مسرح الغرفة، وكان العرض معارضاً وجريئاً أيضاً، وحضر فراس طلاس العرض ليس مرة أو اثنتين، بل ثلاثاً، وكان يدعوا أصدقاءه عليه بكل حماس ما جعلنا نمدد العروض لأيام إضافية..... ولشدة إعجابه بالمسرحية فقد عرض على التوأم ملص دعماً مادياً لتطوير تجربتهما، فقلنا له حينها أن عروض مسرح الغرفة مجانية بالكامل، وهذه من أساسيات هذه التجربة، وهي رسالة ثقافية أكثر منها عملاً تجارياً، وإذ به يرسل بعد أيام جهازي لابتوب للتوأم ملص كهدية .

    بعدها بشهور اعتقلت في "تظاهرة المثقفين" ثم أفرج عنا، ورغم التخوين الذي أطلقه ضدنا إعلام النظام واتهامنا بالعمالة للخارج وغيرها من الاتهامات المعتادة، وصارت قضيتنا على كل الفضائيات، اتصل بي بي فراس مجدداً وقال أنه يريد أن يزورني، وبالفعل جاء إلى منزلي وزارني وجلسنا وتحدثنا طويلاً عن النظام وإجرامه، وحينها صرّح بموقف واضح ضد النظام بكل شخوصه ما عدا بشار الأسد الذي قال أنه تم توريطه لكنه يريد حل الأزمة، وطلب مني أن لا أبوح لأحد بذلك بسبب حساسية موقفه، وقد التزمت بوعدي له حتى هذه اللحظة.

    بعدها بفترة التقيت في منزلي بمجموعة من شباب حمص الذين جاؤوا إلى دمشق لجمع بعض المساعدات، وتكلمنا مطولاً حول الوضع الميداني في حمص، ومن ضمن ما أخبروني به أن فراس طلاس يرسل بالفعل مساعدات غذائية وإنسانية إلى حمص والرستن، وأكد هذا الكلام بعدها آخرون من شباب حمص ممن كنت ألتقيهم.

    خلال الشهور التالية اقتصر تواصلي مع فراس على التعليقات واللايكات على البوستات التي كنت أنشرها على الفيسبوك، وكل بوستاتي كما تعلمون من نمط المعارض للنظام، وقد لمست في كلامه أن موقفه تتطور ولم يعد يقبل حتى ببشار الأسد، واعتبرت ذلك تطوراً مهماً .

    مؤخراً وفي الشهرين الأخيرين علمت أن فراس قد خرج من سوريا، وبدأت وسائل إعلام النظام تخوّنه وتتهمه اتهامات شتى، فأعدت التواصل معه، ونصحته بأن يعلن انشقاقه على الملأ، فقال لي أنه يفضل العمل بصمت ومن خلف الكواليس، حيث إنه يتواصل مع عدد الديبلوماسيات ومع المعارضة، ويحاول معهم أن يجدوا حلاً للأزمة تنقذ البلاد، لكنني كررت عليه اقتراحي بموضوع الانشقاق، وقلت له بالحرف الواحد:

    "لا تنسى أنك ابن مصطفى طلاس في النهاية، وأنك رجل أعمال والناس يعرفون مصدر ثروتك، وهم لا ينسون، يجب أن تقوم بهكذا حركة لكي يستطيعوا تقبّلك"

    حينها يبدو أنه قد فكّر بالأمر، وقال لي أن كثيراً من رموز الثورة يعرفون موقفه وماذا يعمل ومنهم عبد الرزاق طلاس نفسه، ثم استدرك يقول "بس لا تنسى أبي ومناف ما يزالون في الداخل" وبناء على ذلك صمتت، وقلت في نفسي هناك سبب وجيه قد يمنعه.

    قبل أيام وعندما خرج مناف من البلاد، وكتب فراس بوستاً قال فيه بما معناه "لا نستطيع إلا أن نكون مع شعبنا ووطننا" أرسلت لفراس باركت فيها هذه الخطوة الكبيرة، وقلت له أنني ملتزم معك الآن كصديق بأن نقف معكم في هذه الخطوة التي ستكون مؤثرة جداً على النظام، وعلى هذا الأساس كتبت وقتها أن على الناس أن لا يخونوا مناف وفراس وأن يباركوا هذا الانسقاق الذي يعتبر هزّة قوية للنظام، وجزء من دافعي وراء ذلك هو توقعي بأن آل طلاس سيكملون خطوتهم هذه، بالإضافة إلى أنني اعتبرت ذلك تكتيكاً يجب اتباعه لضمان حصول مزيد من الانشقاقات، وهو ما نريده الآن لإنهاك النظام وإجباره على وقف حمام الدم تمهيداً لإسقاطه.

    لكنني حقاً لا أعلم الآن لماذا هذا الصمت المطبق، وما مبرره، رغم أنني عرضت على فراس المساعدة بوصلهم بوسائل الإعلام لأجل إعلان مواقفهم الجديدة، وقد نصحته أكثر من مرة بعدم التأخّر، لكنني من حينها لم ألقَ أي تجاوب أو اهتمام ، ولا أفهم هذا السلوك ولا مبرراته، وهو بالنسبة لي بات يضع علامات استفهام كثيرة ومشروعة حول جدية ما قاموا به؟

    في النهاية هذا شأنهم وقرارهم، وعليهم أن يتحملوا نتيجته وتبعاته مهما كانت، وبحسب علمي فإن مناف وفراس ليس في رقبتهم أية دماء بحق السوريين،ففراس منذ البداية رجل أعمال مدني ولم يلتحق بمؤسسات الجيش أو الأمن، أما مناف فهو كان مجرد طالب أيام أحداث الثمانينات، والآن خلال الثورة لم يرد اسمه في العمليات العسكرية سوى عندما قال آفاق أحمد أن اللواء 105 التي يرأسه مناف هو من اقتحم دوما في بداية الثورة، لكن تنسيقية دوما أصدرت بياناً نفت فيه ما قاله آفاق عن مشاركة اللواء 105، وعاد الآخير نفسه واعتذر وقال ان المقصود كان اللواء 104 ، هذه هي الحادثة الوحيدة التي ورد فيها اسم مناف في الأحداث (إلا إذا كان أحد يعرف معلومات لا نعرفها)

    أما والدهم مصطفى طلاس فهو بالتأكيد متورط بإصدار مئات أحكام الإعدام بحق الإخوان المسلمين، وقد تباهى علانية بارتكاباته ضد الإسلاميين في كتبه ومنها "مرآة حياتي" بالإضافة للعديد من التصريحات الصحفية، وملفّه القديم هذا لا يحلّ بالصراخ، إنما ضمن إطار وطني وقانونياً ومع عائلات الضحايا..... ويبقى الموضوع المالي هو العالق مع فراس ومناف، وهذا اعتقد أنه يجب أن يناقش أيضاً في مرحلة لاحقة، وبناء على ما سيقدمه الإثنان من خدمات للثورة.

    الآن، أعتقد أن أي طرح سياسي لاسم مناف لن يقبل به أحد طالما هو يصرّ على أدائه الغامض هذا، وطالما لم يضع نفسه في خدمة الثورة....في النهاية لن ينجح أي طموح طالما لا يصدّقه الناس ويوافقون عليه، ويعرفون مصالحهم منه.... لذلك الخطوة الآن في أيدي آل طلاس لا غيرهم، وأنا لا ألتمس لهم أي عذر، وعليهم هم أن يتحدثوا للشعب السوري وأن يعملوا على نيل ثقته إذا كانوا جادين حقاً بانقلابهم على النظام الذي شاركوه تاريخياً وساهموا ببقائه كل هذه السنوات.

    ------------------------------

    المقال نشره الصحفي إياد شربجي على صفحته على الفيسبوك. "سيريا بوليتيك" لا يتنبى مضمون المقال، ولأن موقعنا مستقل، وينشر مختلف الآراء السورية، قام بنشر هذا المقال. ويرحب الموقع بأي رد أو تعليق من أي طرف ورد ذكره في المقال، عملا بالمبدأ المهني المعروف وحق الرد المصان.



مقال سيريا بوليتيك

آراء

  • " وشيدنا مزارات لألف وألف دجّال "!

    بقلم : نبيل فياض
    التفاصيل
  • الثورة السورية وظاهرة «الانشقاق»... أية سياسة؟

    بقلم : ياسين الحاج صالح
    التفاصيل
  • خواطر شاهد عيان حول مؤتمر المعارضة السورية الأخير في القاهرة

    بقلم : محمود جديد
    التفاصيل
تابعونا