آراء

  • أختلف معك ولكن أحبك لأنك شريكي في الوطن

    30 أبريل 2012 - 9:12 PM : محمود الزعبي
  • الوطن : كيانٌ شامخٌ ، وبنيانٌ شاهقٌ، صدرُ حنان ، وملاذ أمان ، ماؤه حلوٌ ولو كان ملحٌ أجاج ، وترابه مسكٌ ولوكان صحراء قاحلة ، فكيف إن كان الوطن مضغةٌ من القلب : لأنه مسقط الرأس ، درجْتَ على تراب الوطن واستنشقت هواءه وشربت ماءه ، فأصبح الوطن يجري حبه في دمك .
    عندما تكون الأوطان في حالة اعتلال لا ينقذها من اعتلالها سوى مزيد من الحب، حب الصادقين من أبنائها ، وهو وحده الذي يضمن لها الشفاء ويعيدها إلى ما كانت عليه وإلى ما ينبغي أن تكون عليه من السلامة والمعافاة. والحب الذي تبحث عنه الأوطان - في حالات السراء والضراء- هو ذلك الحب الذي لا يقف عند حب التراب والأشجار والجبال وإنما يتعدى هذا الحب المادي لشكل الوطن وتكويناته إلى ما هو أنقى وأرقى، إلى حب البشر الذين يعيشون على أرض هذا الوطن ، وإلى حب كل ما يضمن لهم الحياة الآمنة المطمئنة ويجعلهم أكثر شعوراً بالكرامة والحرية .

    فالأوطان التي يفتقد أبناؤها الحرية والكرامة والشعور بالأمان ليست سوى غابات موحشة وإن امتلأت مدنها بالعمارات الباذخة والأسواق المضاءة والحدائق الخضراء .
    ولا ريب في أن كل إنسان يدّعي أنه يحب وطنه ويخلص له، لكن هذا الادعاء يحتاج إلى براهين وأدلة واقعية تثبت ذلك الحب وتؤكد وجوده، والحب الذي لا يتمثل في الأفعال والمواقف، ولا يتجسد في التضحية تلو التضحية يظل حباً فارغاً من محتواه . والأوطان بحاجة إلى محبين أوفياء صادقين في حبهم وولائهم ، وفي استعدادهم الدائم للتضحية بكل غال ونفيس دون انتظار لأي مقابل وإلاَّ كان الحب ضرباً من التجارة والمقايضة.

    حباً خالصاً صادقاً لا ينتظر من وراء ذلك الحب جزاءً ولا شكورا. وعندما يرتفع حب الوطن في نفس إنسان إلى مثل هذا المستوى الرفيع والنبيل فإنه - حينئذ- لن يتردد عن القيام بأي تضحية مهما عظمت .

    ولو تساءلنا: ما الذي يجعل الإنسان يقدم حياته، روحه ودمه، دفاعاً عن الوطن، لكان الجواب الأقرب والصحيح هو الحب كما ينبغي أن يكون، وإن كان التعبير عن هذا الحب العظيم يختلف باختلاف درجة إيمان المحب لوطنه، وباختلاف ثقافته وتكوينه النفسي الأخلاقي. واللافت للانتباه في هذا المجال حبُ الغالبية العظمى من عامة الناس لأوطانهم، وهو الحب الفطري المتجسد في العمل، والعمل وحده بعيداً عن الشعارات وعن كل ادعاء هو الشاهد الطبيعي على الحب الذي يملأ وجدان المواطن العادي ويمتلك عليه مشاعره. وفي رأيي أن هذا الحب الصامت الجليل، حب عامة الناس لوطنهم هو الأصدق والأعمق والأكثر تعبيراً عن الولاء الذي لا يبحث أصحابه عن مقابل أو مكاسب سياسية أو مادية.
    إن ما نشهده من احداث تمر بها بلادنا الغالية سوريا هو فرصة عظيمة بحق لتغيير وطننا وسياسته والنهوض به في شتى المجالات، ولا شك عندي شخصياً أننا لن نعود كما كنا وأننا في فترة حمل طويلة لجنين وطن رائع بالرغم من الألم والمخاض الكبير الذي نمر به حالياً والذي أعتقد أنه لن ينتهي قريباً.

    وفي الوقت ذاته فإني أرى في هذه الأحداث فرصة لا تقل عظمة للتعامل مع امور مهمة جداً تختص بشخصياتنا وعلاقاتنا مع الآخرين وأمورنا الداخلية العميقة التي نادراً ما نتكلم عنها في مقالاتنا وفي احاديثنا رغم أنها الوقود الأساسي لحياتنا ككل.

    إن أكثر ما أراه عظيماً في هذه الأحداث هو تلك الفرصة النادرة على تعلّم المعادلة العظيمة في الحياة ... معادلة
    تشكيل الرأي الخاص الحر الموضوعي وفي الوقت نفسه القدرة على قبول الآخر واحتوائه ...

    اختلافي معك حقيقي جداً... وحبي لك حقيقي جداً
    اختلافي معك حقيقي لأن رؤيتنا للأحداث وتعاطينا مع الأزمة مختلف تماماً ولا تعجبني حلولك ولا طروحاتك..
    حبي لك حقيقي لأننا عشنا معاً على هذه الأرض ... وسنكمل معاً عليها ... انت جاري وصديقي واخي وابن عمي ... انت ابن وطني

    نعم ... انا أختلف معك ... ولكني أحبك
     



مقال سيريا بوليتيك

تابعونا