آراء

  • نحن الشعب السوري نريد للقضاء العادل أن يأخذ مجراه

    30 أبريل 2012 - 5:34 PM : لبيد الأعصم
  • " باسم الشعب العربي في سورية، حكمت المحكمة .." عبارة ترددت كثيراً في قاعات المحاكم السورية للدلالة على أن الأحكام التي تصدر من قبلها هي باسم الشعب الذي يمثل سلطة القانون بحق كل من ارتكب جناية أو جرماً بحق أحد أفراده ، هذه العبارة التي انتظرت أن اسمعها من أفواه من تم توكيلهم للنظر في مصالح الشعب السوري الذي ارتكبت بحق مدنييه وعسكرييه العديد من الانتهاكات والجرائم خلال العام المنصرم.

    مضى عام ونيف منذ أن صدر أول توجيه لتشكيل أول لجنة قضائية خاصة لإجراء تحقيقات فورية في الحوادث التي أودت بحياة عدد من المواطنين السوريين في درعا واللاذقية من قبل السلطات الرسمية ليتلوها في الأشهر القادمة اصدار قرارات ومراسيم أخرى بتشكيل لجان قضائية ثانية وثالثة ورابعة للنظر في حوادث جرت في مناطق وقرى أخرى من سورية، ورغم ذلك فنحن الشعب السوري لم نقرأ أو نسمع أو نشاهد أيًّ من النتائج أو الأحكام التي صدرت عن تلك اللجان، لا بل إنَّ الحوادث ازدادت وانتشرت في كل بقعة من سورية مع توالي الأيام وازداد مقدار العنف والانتهاكات المرافقة لها التي حدثت بحقنا نحن الشعب عوضا عن أن تتوقف.

    اعترفت السلطات الرسمية بارتكاب عناصرها الأمنيين أخطاء بحق المدنيين من ضرب وقتل لمن شاركوا في المظاهرات السلمية، وقالت أنها تسعى لتدريب رجال الشرطة وعناصر الأمن ليكونوا مهيئين للتعامل مع المتظاهرين وأنهم سيباشرون عملهم خلال الأشهر القليلة القادمة ولكن الوقائع أظهرت ازدياداً ملحوظاً في عدد الانتهاكات والجرائم التي تحدث بحق كل من المدنيين والعسكريين على السواء ولم تنخفض أو تختفي والذي يدلل على أن السلطات الرسمية عاجزة بطريقة أو بأخرى عن حمايتنا نحن الشعب السوري بكل مكوناته من مدنيين وعسكريين.

    كما ادعت السلطات السورية أنه مع عدم وجود مُدَّعِين بحق من يعتقد أنهم المتسببين في اندلاع عدد من الحوادث في بعض المحافظات فإنه لايمكن مقاضاتهم. كل هذا وقف عائقاً أمام تحقيق العدل الذي نبتغيه كي ننعم ببعض الأمن والاستقرار الذي ينشده جميع المواطنيين.

    مع توالي الأيام بثَّت السلطات السورية عبر وسائل إعلامها الرسمية وغير الرسمية مقابلات تلفزيونية مسجلة لاعترافات عددٍ ممن اتهمهم بأنهم مسؤولون عن الجرائم التي ارتكبت في العديد من المناطق، وأن خلف هؤلاء مجموعات لعصابات مسلحة سلفية جهادية تكفيرية تقوم بالتمويل والتخطيط واستغلال الحراك المدني السلمي ذو المطالب المحقة لارتكاب فظائعها في عدد من المحافظات، في الطرف المقابل قامت المعارضة بتفنيد تلك الاعترافات بشواهد ودلائل ووجهت اتهامات صريحة لقوات السلطة السورية وعناصرها الأمنيين بالضلوع بهذه المجازر وارتكابها.

    وسط هذا التراشق في تبادل الاتهامات، بقي الشعب السوري هو الخاسر الوحيد. علاوة على ذلك فلم يقرأ أو يسمع أو يشاهد الشعب السوري أية أحكام قضائية صدرت باسمه في حق مرتكبي هذه الجرائم لينالوا جزاءهم العادل على ما اقترفت أياديهم بحق شعبنا.

    خلال الفترة القريبة الماضية، بثَّت بعض قنوات الإعلام العربية فيديوهات لعدد من المجازر المروعة بحق المواطنين السوريين من أطفال ونساء في عدد من المدن واتهمت قوات السلطات الرسمية بالضلوع بارتكابها على لسان معارضيين وناشطين مدنيين وسياسيين مناهضين للسطات الرسمية السورية، لتقوم قنوات السلطات الرسمية بإنكار حدوثها على الأراضي السورية وتدعي أن هذه الفيديوهات عبارة عن فبركات وأكاذيب يراد منها التشويش على الرأي العام الدولي وتهدف لزعزعة الأمن والاستقرار في سورية والوقوف في وجه مسيرة الاصلاح التي تقوم بها السلطات الرسمية، لتعود وسائل الاعلام ذاتها بعد ساعات للاعتراف بحدوثها على أرض الوطن الغالي سورية و تتهم فيها العصابات المسلحة إياها بأنها هي من ارتكبتها بحق المدنيين ولكن دون تقديم أي دليل مادي أو حسي على ذلك، وليستمر سيلان الدم السوري الغالي على أرض الوطن دون أي إجراء لحقنه أو معاقبة من تسبب في إهداره بهذه الصورة.

    في منتصف شهر آذار الماضي قال السيد بولو بينيرو، رئيس اللجنة التي عينتها الامم المتحدة للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان في سورية، أن الحكومة السورية أبلغت اللجنة بأنها جمعت معلومات عن 4800 حالة لانتهاكات حقوق الانسان وأن 74 عنصراً من القوات الأمنية عوقبوا، وأن ضابطين برتبة عميد وعناصر آخرين من القوات الأمنية اعتقلوا. ولكن ماهي الأحكام والعقوبات التي صدرت بحق هؤلاء؟ وهل ساهمت هذه الاجراءات في إعادة الحقوق لأصحابها وأوقفت نزيف الدم السوري على أرضه؟ وهل منعت أو ستمنع هذه الاجراءات ارتكاب مزيدٍ من الانتهاكات بحقه؟

    كل هذه الأسئلة نريد نحن الشعب السوري بكتله الثلاث، مراقبون ومعارضون وموالون، من الحكومة السورية وسلطاتها المختصة أن تقوم بتوضيحها وتبيانها لنا. فكل مانرغب به هو قضاء عادل ونزيه ومحايد ومستقل لينظر في كل تلك الجرائم التي ارتكبت دون تحيز لطرف دون آخر، وأن يقوم بالاقتصاص ممن تسبب في إهدار دماء إخواننا وأخواتنا في الوطن الغالي دون حصانة لأحد كائناً من كان، وأن على السلطات المختصة التي تدعي تمثيلها لنا أن تشرع في التحقيق في المجازر التي ارتكبت ولازالت ترتكب حتى الآن، وأن تقوم بعمل محاكمات علنية تصدر أحكامها وتنفذها في أسرع وقت ممكن.

    مضى عام ونيف ولم تصدر أية تصريحات من السلطات الرسمية تبيين لنا نحن المجتمع المدني في سورية ماهي الإجراءات والأحكام التي اتخذت بحق المتهميين والضالعين في قتل أبنائنا وبناتنا وانتهاك كرامتهم، ولا ماهية العقوبات التي اتخذت بحق المقصريين بحق من هو مفوض بحفظ أمننا وأماننا، ولانريد للفطر أن ينتبت على ظهورنا حتى تبين لنا السلطات هذه الإجراءات وتتحق العدالة للجميع.

    في ظل هذا التقاعس والتقصير من قبل الحكومة السورية وسلطاتها المختصة، ألا يتوجب علينا نحن الشعب السوري القيام بما يمنع إهدار مزيداً من الدماء ويسمح بتقديم المعتدين على حقوق شعبنا للعدالة من خلال الشروع بإعداد قوائم يوقع عليها كل من يهمه تحقيق العدل دون أي شيء آخر لدفع السلطة القضائية المباشرة في التحقيق في هذه الحوادث والجرائم واطلعنا بشكل مستمر على أدائها وما توصلت إليه تحقيقاتها وماهي العقبات والصعوبات التي تواجهها ومن ثم الأحكام التي صدرت بحق المتهمين .

    صمتنا اليوم قد يعني أن نكون الضحية التالية في وقت قريب ، لذلك نريد من الشرفاء من الحقوقيين السوريين أن يتولوا رفع دعاوٍ حق عام في حق كل من انتهك وأجرم بحق مواطنينا ومواطناتنا من السوريين ومتابعتها لمعرفة حقيقة ما جرى ويجري، ولتتم معاقبة المجرمين وفق القوانين العادلة دون التجني أو ظلم أحد، وإلا فأنه يتوجب علينا التوجه إلى المؤسسات الحقوقية الدولية المحايدة المعروفة بنزاهتها وعدالتها واحترامها للقوانين والأعراف الدولية لتتولى هذه المهمة، لأن الصمت يزيد المجرم إجراماً ويدفعه نحو ارتكاب مزيدٍ من الجرائم لعلمه أن أحداً لن يتحرك لردعه والاقتصاص منه.

    أعلم أن بعض من ينفخون ويرددون في قربة المؤامرة المثقوبة دون تفكير وإشغال للعقل سيرددون ذات الاسطوانة ويقولون أنه لايوجد مؤسسات حقوقية دولية محايدة وكلها تتبع مصالح الدول والقوى الكبرى في العالم، ولكن ألا يتفكرون في أن السلطات الرسمية التي يدافعون عنها لم تسمح في يوم من الأيام للقضاء العادل أن يأخذ مجراه، وأنه طوال السنين الماضية كان يخدم مصالحها ويؤذي أبناء وبنات الوطن، بل أنه وفي العام المنصرم أصبح وسيلة تستخدمها السلطات الرسمية لاصاق التهم الجاهزة والمعلبة التي تريد كيلها لكل من يرفع صوته ضد القتل الذي يُلم بنا نحن الشعب السوري جميعاً، وليس هذا عنا ببعيد فقد تم اعتقال بعض الفتية والفتيات منذ أيام قليلة لأنها طالبوا بإيقاف القتل كي يبنوا وطناً لكل السوريين.

    حراكنا لإقامة قضاء عادل اليوم قد يكون الفرصة الأخيرة كي نحمي أنفسنا وأهلينا وأصدقائنا من قتل قد يتهددنا غداً . لقد آن الأوان لتستوي كفتي ميزان العدالة دون انحراف لأي جهة.

    نقلا عن "سيريا نيوز"



مقال سيريا بوليتيك

تابعونا